إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ} (6)

{ إِنَّ الذين كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين فِي نَارِ جَهَنَّمَ } بيانٌ لحالِ الفريقينِ في الآخرةِ بعد بيانِ حالِهم في الدُّنيا ، وذَكَرَ المشركينَ لئلاَّ يتوهَم اختصاصُ الحكمِ بأهلِ الكتابِ حسبَ اختصاصِ مشاهدةِ شواهدِ النبوةِ في الكتابِ بهم ، ومَعْنى كونِهم فيها أنَّهم بصيرونَ إليها يومَ القيامةِ ، وإيرادُ الجملةِ الاسميةِ للإيذان بتحقق مضمونِها لا محالةَ ، أو أنَّهم فيها الآنَ إما على تنزيل ملابستِهم لما يوجبُها منزلَة ملابستِهم لها ، وإما عَلى أنَّ ما هُم فيهِ من الكفرِ والمَعاصي عينُ النارِ إلا أنَّها ظهرتْ في هذِه النشأةِ بصورةٍ عَرَضيةٍ ، وستخلعُها في النشأة الآخرةِ وتظهرُ بصورتِها الحقيقيةِ ، كَما في قولِه تعالى : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين } [ سورة التوبة ، الآية 49 وسورة العنكبوت ، الآية 54 ] في سورة الأعرافِ{[858]} .

{ خالدين فِيهَا } حالٌ من المستكنِّ في الخبرِ ، واشتراكُ الفريقينِ في دخولِ دارِ العذابِ بطريقِ الخُلودِ لا يُنافِي تفاوتَ عذابِهم في الكيفيةِ ، فإنَّ جهنَم دركاتٌ ، وعذابَها ألوانٌ { أولئك } إشارةٌ إليهم باعتبارِ اتَّصافِهم بما هُم فيه من القبائحِ المذكورةِ ، وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ ، للإشعارِ بغايةِ بُعدِ منزلتِهم في الشرِّ ، أي أولئكَ البعداءُ المذكورونَ { هُمْ شَرُّ البرية } شرُّ الخليقةِ ، أي أعمالاً ، وهو الموافقُ لما سيأتِي في حقِّ المؤمنينَ ، فيكونُ في حيزِ التعليلِ لخلودِهم في النارِ ، أو شرُّهم مقاماً ومصيراً ، فيكونَ تأكيداً لفظاعةِ حالِهم ، وقُرِئَ بالهمز على الأصل .


[858]:كذا في الأصل وهذه الآية غير واردة في سورة الأعراف إنما وردت في سورتي التوبة والعنكبوت وعليه تكون في سورة الأعراف خارجة عن سياق الكلام وواقعه في غير محلها.