معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

{ فجعله } بعد الخضرة ، { غثاءً } هشيماً بالياً ، كالغثاء الذي تراه فوق السيل . { أحوى } أسود بعد الخضرة ، وذلك أن الكلأ إذا جف ويبس اسود .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

وقوله - سبحانه - : { والذي أَخْرَجَ المرعى . فَجَعَلَهُ غُثَآءً أحوى } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - تعالى - ، التى لا يعجزها شئ .

والمرعى : النبات الذى ترعاه الحيوانات ، وهو اسم مكان للأرض الذى يوجد فيها النبات .

والغثاء : هو اليابس الجاف من النبات الذى ترعاه المواشى .

والأحوى : أى : المائل إلى السواد ، مأخوذ من الحُوَّة - بضم الحاء مع تشديد الواو المفتوحة - وهى لون يكون بين السواد والخضرة أو الحمرة . ووصف الغثاء بأنه أحوى ، لأنه إذا طال عليه الزمن ، وأصابته المياه ، اسود وتعفن فصار أحوى .

أى : وهو - سبحانه - وحده ، الذى أنبت النبات الذى ترعاه الدواب ، حالة كون هذا النبات أخضر رطبا . ثم يحوله بقدرته - تعالى - بعد حين إلى نبات يابس جاف .

وهذا من أكبر الأدلة المشاهدة ، على أنه - تعالى - يتصرف فى خلقه كما يشاء ، فهو القادر على تحويل الزرع الأخضر إلى زرع يابس جاف ، كما أنه قادر على إحياء الإِنسان بعد موته .

فالمقصود من هذه الآيات الكريمة ، الإِرشاد إلى كمال قدرته ، وتنوع نعمه - سبحانه - ، حتى يزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، وحتى يعود الكافرون إلى رشدهم بعد هذا البيان الواضح الحكيم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

وقوله : فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوَى يقول تعالى ذكره : فجعل ذلك المرعَى غُثاء ، وهو ما جفّ من النبات ويبس ، فطارت به الريح وإنما عُنِي به هاهنا أنه جعله هشيما يابسا متغيرا إلى الحُوّة ، وهي السواد ، من بعد البياض أو الخُضرة ، من شدّة اليبس . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : غُثاءً أحْوَى يقول : هَشيما متغيرا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : غُثاءً أحْوَى قال : غُثاء السيل أحوى ، قال : أسود .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : غُثاءً أحْوَى قال : يعود يبسا بعد خُضرة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوَى قال : كان بقلاً ونباتا أخضر ، ثم هاج فيبُس ، فصار غُثاء أحوى ، تذهب به الرياح والسيول .

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخّر الذي معناه التقديم ، وأن معنى الكلام : والذي أخرج المرعى أحوى : أي أخضر إلى السواد ، فجعله غثاء بعد ذلك ، ويعتلّ لقوله ذلك بقول ذي الرّمة :

حَوّاءُ قَرْحاءُ أشْراطِيّةُ وكَفَتْ *** فِيها الذّهابُ وحَفّتْها البَرَاعِيمُ

وهذا القول وإن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدّت خضرته من النبات ، قد تسميه العرب أسود ، غير صواب عندي بخلافه تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير إذا لم يكن له وجه مفهوم إلاّ بتقديمه عن موضعه ، أو تأخيره ، فإما وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

و «الغثاء » ما يبس وجف وتحطم من النبات ، وهو الذي يحمله السيل ، وبه يشبه الناس الذين لا قدر لهم ، و «الأحوى » : قيل هو الأخضر الذي عليه سواد من شدة الخضرة والغضارة ، وقيل هو الأسود سواداً يضرب إلى الخضرة ومنه قول ذي الرمة : [ البسيط ]

لمياء في شفتيها حوّة لعس . . . وفي اللثاث وفي أنيابها شنب{[11748]}

قال قتادة : تقدير هذه الآية { أخرج المرعى } ، { أحوى } أسود من خضرته ونضارته ، { فجعله غثاء } عند يبسه ، ف { أحوى } حال ، وقال ابن عباس : المعنى { فجعله غثاء أحوى } أي أسود ، لأن الغثاء إذا قدم وأصابته الأمطار اسود وتعفن فصار { أحوى } بهذه الصفة .


[11748]:البيت في الديوان، واللسان، والقرطبي، والبحر المحيط، وفتح القدير، والشفة اللمياء هي اللطيفة القليلة الدم، وهذا يعطيها سمرة كانت محبوبة عند العرب، والحوة: السواد الضارب إلى الخضرة، وهو موضع الاستشهاد بالبيت هنا، واللعس –بفتح اللام المشددة والعين: لون الشفة إذا كانت تميل إلى السواد القليل، واللثات: جمع لثة، والشنب: برودة وعذوبة في الفم ورقة في الأسنان.