قوله تعالى : { ذلك بأنهم } يعني المنافقين أو اليهود ، { قالوا للذين كرهوا ما نزل الله } وهم المشركون ، { سنطيعكم في بعض الأمر } في التعاون على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم والقعود عن الجهاد ، وكانوا يقولونه سراً فأخبر الله تعالى عنهم ، { والله يعلم إسرارهم } قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر : بكسر الهمزة ، على المصدر ، والباقون بفتحها على جمع السر .
ثم بين - سبحانه - أسباب هذا الارتداء فقال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر } .
أى : ذلك الارتداء عن الحق والتردى فى الباطل . بسبب أن هؤلاء المنافقين قالوا للذين كرهوا ما نزل الله من الهدى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهم اليهود ومن على شاكلتهم ، قالوا لهم : { سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر } أى : سنطيعكم فى بعض أموركم وأحوالكم التى على رأسها : العداوة لهذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولما جاء به من عند ربه .
كما قال - تعالى - حكاية عنهم فى آية أخرى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } وقوله - سبحانه - : { والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } تهديد لهم على هذا الدس والكيد والتآمر على الإِِسلام وأتباعه . أى : والله - تعالى - يعلم ما يسرونه من أقوال سيئة ، ومن أفعال قبيحة ، وسيعاقبهم على ذلك عقابا شديدا .
وكلمة { إِسْرَارَهُمْ } - بكسر الهمزة - مصدر أسررت إسرارا ، بمعنى كتمت الشئ وأخفيته وقرأ بعض القراء السبعة { أسرارهم } - بفتح الهمزة - جمع سر . يعلم الأشياء التى يسرونها ويخفونها .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُواْ لِلّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزّلَ اللّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } .
يقول تعالى ذكره : أملى الله لهؤلاء المنافقين وتركهم ، والشيطان سول لهم ، فلم يوفقهم للهدى من أجل أنهم قَالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُ من الأمر بقتال أهل الشرك به من المنافقين : سَنُطِيعُكُمْ في بَعْضِ الأَمْرِ الذي هو خلاف لأمر الله تبارك وتعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ذلكَ بأنّهُمْ قالُوا للّذِينَ كَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ فهؤلاء المنافقون وَاللّهُ يَعْلَمُ إسْرَارَهُمْ يقول تعالى ذكره : والله يعلم إسرار هذين الحزبين المتظاهرين من أهل النفاق ، على خلاف أمر الله وأمر رسوله ، إذ يتسارّون فيما بينهم بالكفر بالله ومعصية الرسول ، ولا يخفى عليه ذلك ولا غيره من الأمور كلها .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة «أسْرَارُهُمْ » بفتح الألف من أسرارهم على وجه جماع سرّ . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة إسْرَارَهُمْ بكسر الألف على أنه مصدر من أسررت إسرارا .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.