نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ} (26)

ولما بين تسليطه{[59782]} الشيطان عليهم ، بين سببه فقال : { ذلك } أي الأمر البعيد من الخير وما دل عليه صريح العقل { بأنهم } أي بسبب{[59783]} أن هؤلاء المتولين { قالوا للذين كرهوا ما } أي جميع ما { نزل الله } أي الملك الأعظم على التدريج بحسب الوقائع تنزيلاً فيه إعجاز الخلق في بلاغة التركيب مع فصاحة المفردات وجزالتها مع السهولة في النطق والعذوبة في السمع والملاءمة للطبع{[59784]} كما يشهد به كل ذوق من الأغبياء والأذكياء على تباينهم في مراتب الغباوة والذكاء ، وإعجاز آخر لهم في رصانة المعنى وحكمته ، وثالث{[59785]} في مطابقته للحال الذي اقتضى نزوله مطابقة يعجز الخلق عن الإتيان بمثلها ، ورابع بنظمه مع ما نزل قبله من الآيات ، لا على ترتيب النزول ، بل على ما اقتضته الحكمة التي تتضاءل{[59786]} دونها الأفكار ، وتولى خاسئة من جلالتها على الأدبار ، بصائر أولي الأبصار ، وهؤلاء المقول لهم هذا الكلام هم - والله أعلم - المصارحون بالكفر ، قالوا لهم بعد هذه الأدلة من الإعجازات ، وما تقدمها من الآيات البينات الواضحات{[59787]} : { سنطيعكم } بوعد صادق لا خلف فيه { في بعض الأمر } وهو القتال في سبيل الله الذي تقدم أنهم عند نزول {[59788]}سورة يذكر بها{[59789]} يصيرون {[59790]}كالذي يغشى عليه{[59791]} من الموت ، فأنتم في أمان-{[59792]} من أن نقاتلكم أبداً ، فإنا إنما {[59793]}أسلمنا للأمان{[59794]} على دمائنا وأموالنا ، والذي نحبه مما ينزل هو التأمين لمن أقر بكلمة الإسلام والقناعة منه بالظاهر والوعد العام بالتبسط{[59795]} في البلاد والتوسعة في الأرزاق ونحو ذلك ، فكانوا بذلك كفرة {[59796]}فإن الدين{[59797]} لا يتجزأ ، فمن أضاع من أصوله شيئاً فقد أضاعه كله ، والتقييد بالبعض يفهم أنهم لا يطيعونهم في البعض الآخر ، وهو إظهار الإسلام والتصور بصورة المسالمة ، وذلك كله بأن الله تعالى جبلهم جبلة هيأهم فيها لمثل هذا ، فلما قالوه مضيعين لما من عليهم من غريزة العقل استحقوا في مجاري عاداتنا لاختيارهم طاعة العدو - مع تعييب{[59798]} علم العواقب عنهم - أن يخذلوا ويسلط عليهم ليكون أخذهم في الظاهر ممن أطاعوه في الباطن ، ولو أنهم استمسكوا بدينهم وكانوا مع أهله يداً على من سواهم لم يقدر عليهم عدو ، ولا طرقتهم طارقة يكرهونها بسوء{[59799]} .

ولما كان من له أدنى عقل لا يخون إلا إذا-{[59800]} ظن أن خيانته{[59801]} تخفي ليأمن عاقبتها ، صور قباحة ما ارتكبوه فقال : { والله } أي قالوا ذلك والحال أن الملك الأعظم المحيط بكل شيء علماً وقدرة { يعلم } على{[59802]} مر الأوقات { إسرارهم * } أي كلها هذا الذي أفشاه-{[59803]} عليهم وغيره مما في ضمائرهم مما{[59804]} لم يبرز على ألسنتهم ، ولعلهم لم يعلموه هم-{[59805]} فضلاً عن أقوالهم التي تحدثت بها ألسنتهم فبان بذلك أنه لا أديان لهم ولا عقول ولا مروءات .


[59782]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تسلطه.
[59783]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: سبب.
[59784]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: في الطبع.
[59785]:في م: ثابت.
[59786]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: ينضال.
[59787]:سقط من ظ و م ومد.
[59788]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: هذه السورة.
[59789]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: هذه السورة.
[59790]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: كالمغشي عليهم.
[59791]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: كالمغشي عليهم.
[59792]:زيد من م ومد.
[59793]:من مد، وفي الأصل و ظ: أرسلنا الأمان، وفي م: أرسلنا للأمان.
[59794]:من مد، وفي الأصل و ظ: أرسلنا الأمان، وفي م: أرسلنا للأمان.
[59795]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: باسط منة.
[59796]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: في الدين.
[59797]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: في الدين.
[59798]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تغايب.
[59799]:زيد بعده في الأصل: أبدا، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59800]:زيد من ظ و م ومد.
[59801]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: خيانتهم.
[59802]:سقط من م.
[59803]:زيد من م ومد.
[59804]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لما.
[59805]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فيما يجاوزونه.