اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ} (26)

قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ } يعني المنافقين{[51483]} أو اليهود قالوا : { لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله } وهم المشركون أي ذلك الإملاء لا بسبب قولهم الذين كرهوا . قاله الواحدي{[51484]} .

وقيل : ذلك إشارة إلى التسويل{[51485]} . ويحتمل أن يقال : ذلك إشارة للارتداد بسبب قولهم : سنطيعكم قاله ابن الخطيب{[51486]} . قال : لأنا نبين أن قوله : «سنطيعكم في بعض الأمور » هو أنهم قالوا نوافقكم على أن محمداً ليس بمرسل وإنما هو كذاب ولكن لا نوافقكم في إِنكار الرسالة والحشر والإشراك بالله من الأصنام ومن لم يؤمن بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فهو كافر وإن آمن بغيره . لا بل نؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام ولا نؤمن بالله ولا برسله ولا بالحشر ، لأن الله تعالى كما أخبر عن الحشر وهو جائز أخبر عن نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وهِيَ جائزة{[51487]} .

وقال المفسرون : إِن اليهود والمنافقين قالوا للذين كرهوا ما نزل الله وهم المشركون سنطيعكم في بعض الأمر في التعاون على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم والقعود عن الجهاد . وكانوا يقولونه سراً فقال الله تعالى : { والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ }{[51488]} .

وقوله : «إسْرَارَهُمْ » قرأ الأخوان وحفص بكسر الهمزة مصدراً . والباقون بفتحها جمع سِرّ{[51489]} .

قوله : «فكيف » إما خبر مقدم ، أي فيكف عمله بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة .

وإما منصوب بفعل محذوف أي فكيف تصنعون{[51490]} وإما خبر «لكان » مقدرة أي فكيف يكونُون ؟ والظرف معمول لذلك المقدر وقرأ الأعمش : «تَوَفَّاهُمْ » دون تاء ، فاحتملت وجهين : أن يكون ماضياً كالعامة ، وأن يكون مضارعاً حُذفت إحدى تائيه{[51491]} .

قوله : «يَضْرِبُون » حال إما من الفاعل وهو الأظهر أو من المفعول{[51492]} .

فصل

قال ابن الخطيب : الأظهر أن قوله : { والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } أي ما في قلوبهم من العلم بصدق محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا مكابرين معاندين وكانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ويؤيده القراءة بكسر الهمزة فإنهم كانوا يُسِرُّونَ نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وإن قلنا : المراد من الذين ارتدّوا هم المنافقون فكانوا يقولون للجاحدين من الكفار سنطيعكم في بعض الأمور كانوا يرون أنهم إن غلبوا انقلبوا كما قال الله : { وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } [ العنكبوت : 10 ] وقال تعالى : { فَإِذَا ذَهَبَ الخوف سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } [ الأحزاب : 19 ] .


[51483]:في ب واليهود.
[51484]:الرازي المرجع السابق.
[51485]:السابق ولم يحدد من قال بهذا.
[51486]:الرازي السابق.
[51487]:انظر المرجع السابق.
[51488]:القرطبي 16/250.
[51489]:وهي قراءة سبعية تواترية وانظر السبعة 601 والكشف 2/278 وقد قال مكي: جعلوه مصدر "أسر" ووحد لأنه يدل بلفظه عل الكثرة. وقرأ الباقون بفتح الهمزة جعلوه جمع سر كعدل وأعدال. وحسن جمعه لاختلاف ضروب الأسرار من بني آدم. وانظر الإتحاف 394.
[51490]:في ب تصفون.
[51491]:الكشاف 3/537 والبحر 8/84 وهي غير متواترة.
[51492]:انظر التبيان 1164.