فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ} (26)

{ ذلك } أي ما تقدم من ارتدادهم أو التسويل والإملاء والأول أولى { بأنهم } أي بسبب أن هؤلاء المنافقين الذين ارتدوا على أدبارهم { قالوا للذين كرهوا ما نزل الله } وهم المشركون { سنطيعكم في بعض الأمر } وهذا البعض هو عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومخالفة ما جاء به ، وقيل المعنى أن المنافقين قالوا لليهود سنطيعكم في بعض الأمر كالقعود عن الجهاد ، والموافقة في الخروج معهم إن خرجوا والتظافر على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقيل : إن القائلين اليهود والذين كرهوا المنافقون ويؤيد كون القائلين المنافقين والكارهين اليهود قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم } ولما كان قولهم المذكور للذين كرهوا ما أنزل الله بطريقة السر بينهم قال الله سبحانه :

{ والله يعلم إسرارهم } بكسر الهمزة على المصدر ، أي إخفاءهم ، وبها قرأ الكوفيون وقرأ الجمهور بفتحها على أنه جمع سر { فكيف إذا توفتهم الملائكة } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها وكيف في محل رفع على أنها خبر مقدم ، والتقدير فكيف علمه بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة ، أو في محل نصب بفعل محذوف ، أي فكيف يصنعون ؟ أو خبر لكان مقدرة ، أي فكيف يكونون والظرف معمول للمقدر ، قرأ الجمهور : توفتهم ، وقرئ توفاهم وقوله :

{ يضربون وجوههم وأدبارهم } في محل نصب على الحال من فاعل توفتهم ، أو من مفعوله أي ضاربين وجوههم ، وضاربين أدبارهم وفي الكلام تخويف وتشديد ، والمعنى أنه إذا تأخر عنهم العذاب فسيكون حالهم هذا وهو تصوير لتوفيهم على أقبح حال وأشنعه ، قيل : لا يتوفى أحد على معصية إلا يضرب الملائكة في وجهه ودبره ، وقيل : ذلك عند القتال نصرة من الملائكة لرسول الله ، وقيل ذلك يوم القيامة والأول أولى .