قوله تعالى : { بالبينات والزبر } واختلفوا في الجالب للباء في قوله { بالبينات } قيل : هي راجعة إلى قولة : { وما أرسلنا } ، وإلا بمعنى غير ، مجازة : وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال يوحى إليهم ولم نبعث ملائكة . وقيل : تأويله وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً يوحى إليهم أرسلناهم بالبينات والزبر . { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } أراد بالذكر الوحي ، وكان النبي صلى الله عليه ومبيناً للوحي ، وبيان الكتاب يطلب من السنة { ولعلهم يتفكرون } .
وقوله - سبحانه - : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } . بيان للحكم التى من أجلها أنزل الله - تعالى - القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم .
أى : وأنزلنا إليك - أيها الرسول الكريم - القرآن ، لتعرف الناس بحقائق وأسرار ما أنزل لهدايتهم فى هذا القرآن من تشريعات وآداب وأحكام ومواعظ ولعلهم بهذا التعريف والتبيين يتفكرون فيما أرشدتهم إليه ، ويعملون بهديك ويقتدون بك فى أقوالك وأفعالك ، وبذلك يفوزون ويسعدون .
فأنت ترى أن الجملة الكريمة قد اشتملت على حكمتين من الحكم التى أنزل الله - تعالى - من أجلها القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم .
أما الحكمة الأولى : فهى تفسير ما اشتمل عليه هذا القرآن من آيات خفى معناها على أتباعه ، بأن يوضح لهم صلى الله عليه وسلم ما أجمله القرآن الكريم من أحكام أو يؤكد لهم صلى الله عليه وسلم هذه الأحكام .
ففى الحديث الشريف عن المقدام بن معد يكرب ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ألا وإنى أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه . . . " .
وأما الحكمة الثانية : فهى التفكر فى آيات هذا القرآن ، والاتعاظ بها ، والعمل بمقتضاها ، قال - تعالى - :
{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُواْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }
والمراد بالناس فى قوله - تعالى - { لتبين للناس } العموم ، ويدخل فيهم المعاصرون لنزول القرآن الكريم دخولا أوليا .
وأسند - سبحانه - التبيين إلى النبى صلى الله عليه وسلم لأنه هو المبلغ عن الله - تعالى - ما أمره بتبليغه .
قال الجمل : " قوله - تعالى - { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . . } .
يعنى : أنزلنا إليك - يا محمد - الذكر الذى هو القرآن ، وإنما سماه ذكرا ، لأن فيه مواعظ وتنبيها للغافلين ، { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } يعنى ما أجمل إليك من أحكام القرآن ، وبيان الكتاب يطلب من السنة ، والمبين لذلك المجمل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال بعضهم : متى وقع تعارض بين القرآن والحديث ، وجب تقديم الحديث ، لأن القرآن مجمل والحديث مبين ، بدلالة هذه الآية ، والمبين مقدم على المجمل " .
وبعد أن ردت السورة الكريمة على ما أثاره المشركون من شبهات حول الدعوة الإِسلامية ، أتبعت ذلك بتهديدهم من سوء عاقبة ما هم فيه من كفر وعصيان وعناد ، فقال - تعالى - : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ . . . } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.