نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (44)

ولما كانت رسل الملوك تقترن بما يعرف بصدقهم ، قال - جواباً لمن كأنه قال : بأي دلالة أرسلوا ؟ - : { بالبينات } المعرفة بصدقهم { والزبر } أي الكتب الهادية إلى أوامر مرسلهم .

ولما كان القرآن أعظم الأدلة ، أشار إلى ذلك بذكره مدلولاً على غيره من المعجزات بواو العطف ، فقال - عاطفاً على ما تقديره : وكذلك أرسلناك بالمعجزات الباهرات - : { وأنزلنا } أي بما لنا من العظمة { إليك } أي وأنت أشرف الخلق { الذكر } أي الكتاب الموجب للذكر ، المعلي للقدر ، الموصل إلى منازل الشرف { لتبين للناس } كافة بما أعطاك الله من الفهم الذي فقت فيه جميع الخلق ، واللسان الذي هو أعظم الألسنة وأفصحها وقد أوصلك الله فيه إلى رتبة لم يصل إليها أحد { ما نزل } أي وقع تنزيله { إليهم } من هذا الشرع الحادي إلى سعادة الدارين بتبيين المجمل ، وشرح ما أشكل ، من علم أصول الدين الذي رأسه التوحيد ، ومن البعث وغيره ، وهو شامل لبيان الكتب القديمة لأهلها ليدلهم على ما نسخ ، وعلى ما بدلوه فمسخ .

ولما كان التقدير : لعلهم بحسن بيانك يعملون ! عطف عليه بياناً لشرف العلم قوله تعالى : { ولعلهم يتفكرون * } إذا نظروا أساليبه الفائقة ، ومعانيه العالية الرائقة ، فيصلوا بالفكر فيه - بسبب ما فتحت لهم من أبواب البيان - إلى حالات الملائكة ، بأن تغلب أرواحهم على أشباحهم فيعلموا أنه تعالى واحد قادر فاعل بالاختيار ، وأنه يقيم الناس للجزاء فيطيعونه رغبة ورهبة ، فيجمعون بين شرفي الطاعة الداعية إليها الأرواح ، والانكفاف عن المعصية الداعية إليها النفوس بواسطة الأشباح .