غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (44)

43

أما قوله :{ بالبينات } ففي متعلقه وجوه منها : أن يتعلق ب { أرسلنا } داخلاً تحت حكم الاستثناء مع { رجالاً } وأنكر الفراء ذلك قال : إن صلة ما قبل " إلا " لا تتأخر على ما بعد " إلا " لأن المستثنى منه هو مجموع ما قبل إلا مع صلته كما لو قيل : ما أرسلنا بالبينات إلا رجالاً . ولما لم يصر هذا المجموع مذكوراً بتمامه امتنع إدخال الاستثناء عليه . ومنها أن يتعلق ب { رجالاً } صفة له أي رجالاً متلبسين بالبينات . ومنها أن يتعلق ب { أرسلنا } مضمراً نظيره " ما مر إلا أخوك " ، ثم تقول " مرَّ بزيد " قاله الفراء . ومنها أن يتعلق ب { بيوحى } أي يوحى إليهم بالبينات . ومنها أن يتعلق بالذكر بناء على أنه بمعنى العلم . ومنها أن يتعلق ب { لا تعلمون } أي إن كنتم لا تعلمون بالبينات وبالزبر فاسألوا . وقال في الكشاف : الشرط ههنا في معنى التبكيت والإلزام كقول الأجير : إن كنت عملت لك فأعطني حقي . قلت : أراد أن عدم علمهم مقرر كما أن عمل الأجير ثابت . وسلم جار الله أن مثل قوله : { فاسألوا } جواب الشرط على هذا الوجه . وأما على الوجوه المتقدمة فجزم أنه اعتراض بناء على أن جواب الشرط هو ما دل عليه قوله { وما أرسلنا } الخ . وعندي أن هذا الجزم ليس بحتم ويجوز على كل الوجوه أن يكون مثل { فاسألوا } جواباً والله أعلم . وأهل الذكر أهل التوراة . كقوله :

{ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } [ الأنبياء : 105 ] يعني التوراة . وقال الزجاج : سلوا كل من يذكر بعلم وتحقيق . وقوله : { بالبينات والزبر } لفظ جامع لكل ما تتكامل به الرسالة لأن مدارها على المعجزات الدالة على صدق من يدعي الرسالة وهي البينات ، وعلى التكاليف التي تعتبر في باب العبادة وهي للزبر . ثم قال : { وأنزلنا إليك الذكر } أي القرآن الذي هو موعظة وتنبيه وتذكير لأهل الغفلة والنسيان ، وبيّن الغاية المترتبة على الإنزال وهي تبيين الأحكام والشرائع بالنسبة إلى الرسول وإرادة التأمل والتفكر في المبدإ والمعاد بالإضافة إلى المكلفين . وفي ظاهر هذا النص دلالة على أن القرآن كله مجمل ، ومن هنا ذهب بعضهم إلى أنه متى وقع التعارض بين القرآن والخبر وجب تقديم الخبر لأن القرآن مجمل والخبر مبين له . وأجيب بمنع الكلية فمن القرآن ما هو محكم ، وقوله : { لتبين } محمول على المتشابهات المجملات . قال بعض من نفى القياس : لو كان القياس حجة لما وجب على الرسول أن يبين للمكلفين ما أنزل الله عليه من الأحكام بل كان له أن يفوض بعضها إلى رأي القائس ، وأجيب بأنه لما بيّن أن القياس من جملة الحجج فالقياس أيضاً راجع إلى بيان الرسول .

/خ60