أما قوله :{ بالبينات } ففي متعلقه وجوه منها : أن يتعلق ب { أرسلنا } داخلاً تحت حكم الاستثناء مع { رجالاً } وأنكر الفراء ذلك قال : إن صلة ما قبل " إلا " لا تتأخر على ما بعد " إلا " لأن المستثنى منه هو مجموع ما قبل إلا مع صلته كما لو قيل : ما أرسلنا بالبينات إلا رجالاً . ولما لم يصر هذا المجموع مذكوراً بتمامه امتنع إدخال الاستثناء عليه . ومنها أن يتعلق ب { رجالاً } صفة له أي رجالاً متلبسين بالبينات . ومنها أن يتعلق ب { أرسلنا } مضمراً نظيره " ما مر إلا أخوك " ، ثم تقول " مرَّ بزيد " قاله الفراء . ومنها أن يتعلق ب { بيوحى } أي يوحى إليهم بالبينات . ومنها أن يتعلق بالذكر بناء على أنه بمعنى العلم . ومنها أن يتعلق ب { لا تعلمون } أي إن كنتم لا تعلمون بالبينات وبالزبر فاسألوا . وقال في الكشاف : الشرط ههنا في معنى التبكيت والإلزام كقول الأجير : إن كنت عملت لك فأعطني حقي . قلت : أراد أن عدم علمهم مقرر كما أن عمل الأجير ثابت . وسلم جار الله أن مثل قوله : { فاسألوا } جواب الشرط على هذا الوجه . وأما على الوجوه المتقدمة فجزم أنه اعتراض بناء على أن جواب الشرط هو ما دل عليه قوله { وما أرسلنا } الخ . وعندي أن هذا الجزم ليس بحتم ويجوز على كل الوجوه أن يكون مثل { فاسألوا } جواباً والله أعلم . وأهل الذكر أهل التوراة . كقوله :
{ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } [ الأنبياء : 105 ] يعني التوراة . وقال الزجاج : سلوا كل من يذكر بعلم وتحقيق . وقوله : { بالبينات والزبر } لفظ جامع لكل ما تتكامل به الرسالة لأن مدارها على المعجزات الدالة على صدق من يدعي الرسالة وهي البينات ، وعلى التكاليف التي تعتبر في باب العبادة وهي للزبر . ثم قال : { وأنزلنا إليك الذكر } أي القرآن الذي هو موعظة وتنبيه وتذكير لأهل الغفلة والنسيان ، وبيّن الغاية المترتبة على الإنزال وهي تبيين الأحكام والشرائع بالنسبة إلى الرسول وإرادة التأمل والتفكر في المبدإ والمعاد بالإضافة إلى المكلفين . وفي ظاهر هذا النص دلالة على أن القرآن كله مجمل ، ومن هنا ذهب بعضهم إلى أنه متى وقع التعارض بين القرآن والخبر وجب تقديم الخبر لأن القرآن مجمل والخبر مبين له . وأجيب بمنع الكلية فمن القرآن ما هو محكم ، وقوله : { لتبين } محمول على المتشابهات المجملات . قال بعض من نفى القياس : لو كان القياس حجة لما وجب على الرسول أن يبين للمكلفين ما أنزل الله عليه من الأحكام بل كان له أن يفوض بعضها إلى رأي القائس ، وأجيب بأنه لما بيّن أن القياس من جملة الحجج فالقياس أيضاً راجع إلى بيان الرسول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.