التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (44)

43

وقوله - سبحانه - : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } . بيان للحكم التى من أجلها أنزل الله - تعالى - القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم .

أى : وأنزلنا إليك - أيها الرسول الكريم - القرآن ، لتعرف الناس بحقائق وأسرار ما أنزل لهدايتهم فى هذا القرآن من تشريعات وآداب وأحكام ومواعظ ولعلهم بهذا التعريف والتبيين يتفكرون فيما أرشدتهم إليه ، ويعملون بهديك ويقتدون بك فى أقوالك وأفعالك ، وبذلك يفوزون ويسعدون .

فأنت ترى أن الجملة الكريمة قد اشتملت على حكمتين من الحكم التى أنزل الله - تعالى - من أجلها القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم .

أما الحكمة الأولى : فهى تفسير ما اشتمل عليه هذا القرآن من آيات خفى معناها على أتباعه ، بأن يوضح لهم صلى الله عليه وسلم ما أجمله القرآن الكريم من أحكام أو يؤكد لهم صلى الله عليه وسلم هذه الأحكام .

ففى الحديث الشريف عن المقدام بن معد يكرب ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ألا وإنى أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه . . . " .

وأما الحكمة الثانية : فهى التفكر فى آيات هذا القرآن ، والاتعاظ بها ، والعمل بمقتضاها ، قال - تعالى - :

{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُواْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }

والمراد بالناس فى قوله - تعالى - { لتبين للناس } العموم ، ويدخل فيهم المعاصرون لنزول القرآن الكريم دخولا أوليا .

وأسند - سبحانه - التبيين إلى النبى صلى الله عليه وسلم لأنه هو المبلغ عن الله - تعالى - ما أمره بتبليغه .

قال الجمل : " قوله - تعالى - { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . . } .

يعنى : أنزلنا إليك - يا محمد - الذكر الذى هو القرآن ، وإنما سماه ذكرا ، لأن فيه مواعظ وتنبيها للغافلين ، { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } يعنى ما أجمل إليك من أحكام القرآن ، وبيان الكتاب يطلب من السنة ، والمبين لذلك المجمل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال بعضهم : متى وقع تعارض بين القرآن والحديث ، وجب تقديم الحديث ، لأن القرآن مجمل والحديث مبين ، بدلالة هذه الآية ، والمبين مقدم على المجمل " .

وبعد أن ردت السورة الكريمة على ما أثاره المشركون من شبهات حول الدعوة الإِسلامية ، أتبعت ذلك بتهديدهم من سوء عاقبة ما هم فيه من كفر وعصيان وعناد ، فقال - تعالى - : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ . . . } .