وقوله : { بالبينات } [ النحل : 44 ] متعلِّق بفعلٍ مضمرٍ ، تقديره : أرسلناهم بالبيِّنات ، وقالتْ فرقة : الباءُ متعلِّقة ب{ أَرْسَلْنَا } في أول الآية ، والتقدير على هذا : وما أرسلنا من قبلك بالبيِّنات والزُّبُرِ إِلاَّ رجالاً ، ففي الآية تقديمٌ وتأخير ، و{ الزبر } : الكُتُبُ المزبورة .
وقوله سبحانه : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } .
( ت ) : وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك ، فبيَّن عن اللَّهِ ، وأوْضَح ، وقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامعَ الكَلِم ، فأعرب عن دين اللَّهِ ، وأفصح ، ولنذكُر الآن طَرَفاً من حِكَمِهِ ، وفصيحِ كلامِهِ بحذف أسانيده .
قال عِياضٌ في «شِفَاهُ » : وأما كلامُهُ صلى الله عليه وسلم المعتادُ ، وفصاحَتُه المعلومةُ ، وجوامُع كَلِمِهِ ، وحِكَمُه المأثورةُ ، فمنها ما لا يُوَازَى فصاحةً ، ولا يبارَى بلاغةً ؛ كقوله : ( المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ) ، وقوله : ( النَّاسُ كَأَسْنَانِ المِشْطِ ) ، و ( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ) ، و ( لاَ خَيْرِ فِي صُحْبَةِ مَنْ لاَ يَرَى لَكَ مَا تَرَى لَهُ ) ، و( النَّاسُ مَعَادِنٌ ) ، و ( مَا هَلَكَ امرؤ عَرَفَ قَدْرَهُ ) ، و ( المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ ، و ( هو بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَكَلَّم ) ، و ( رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً قَالَ خَيْراً فَغَنِمَ ، أَوْ سَكَتَ عَنْ شَرٍّ فَسَلِمَ ) ، وقوله : ( أَسْلِمْ تَسْلَمْ ) ، و( أَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ) ، و( إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً ، المُوطَّؤُونَ أَكْنَافاً الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ ) ، وقوله : ( لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لاَ يَعْنِيهِ ، وَيَبْخَلُ بِمَا لاَ يُغْنِيهِ ) ، وقوله : ( ذُو الوَجْهَيْنِ لاَ يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً ) وَنَهْيُهُ عَنْ ( قِيلٍ وَقَالَ ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ المَالِ ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ ، وَعُقُوقِ الأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدِ البَنَاتِ ) .
وقوله : ( اتق اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ ، وَأَتْبِع السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِق النَّاسَ بِخُلُقٍ حسنٍ ) و ( خَيْرُ الأُمُورِ أَوْسَاطُها ) ، وقوله : ( أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَّا ، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَّا ) ، وقوله : ( الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَة ) ، وقولِهِ في بَعْضِ دعائه : ( اللَّهُمَّ ، إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي ، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي ، وَتُلِمُّ بِهَا شَعْثِي ، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي ، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي ، وتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي ، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رَشَدِي ، وَتُرَدُّ بِهَا أُلْفَتِي ، وَتَعْصِمَنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ ، اللَّهُمَّ ، إِنِّي أَسْأَلُكَ الفَوْزَ فِي القَضَاءِ ، وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ ، وَالنَّصْرَ عَلَى الأَعْدَاء ) ، إِلى غَيْرِ ذلكَ مِنْ بيانِهِ ، وحُسْنِ كلامه ممَّا روتْهُ الكافَّة عن الكافَّة مما لا يُقَاسُ به غيره ، وحاز فيه سبقاً لا يُقْدَرُ قَدْرُهُ كقوله : ( السَّعَيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ ، والشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ في بَطْنِ أُمِّهِ ) في أخواتها مما يدرك الناظِرُ العَجَبَ في مضمَّنها ، ويذهَبُ به الفكْرُ في أداني حِكَمِها ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ ، وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدٍ ) ، فجمع اللَّه له بذلك قُوَّة عارضَةِ الباديةِ وجزالَتَهَا ، وَنَصَاعَةَ ألفاظِ الحاضِرَةِ وَرَوْنَقَ كلامِهَا ، إِلى التأييد الإلهي الذي مَدَدُهُ الوَحْي ، الذي لا يحيطُ بعلمه بَشَرِيّ . انتهى ، وبالجملة فليس بَعْدَ بيان اللَّه ورسُولِهِ بيانٌ لمن عَمَّر اللَّهُ قلْبَه بالإِيمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.