الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (44)

{ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ } فإن قيل : ما الجالب لهذه الباء ؟

قيل : قد اختلفوا في ذلك : فقال بعضهم : هي من صلة أرسلنا و { إِلاَّ } بمعنى غير ، مجازه : وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال يوحى إليهم ولم نبعث ملائكة . وهذا كما تقول : ماضرب إلاّ أخوك عمر ، وهل كلم إلاّ أخوك زيداً ، بمعنى ماضرب عمر غير أخيك ، هل كلم زيداً غير أخيك .

قال أوس بن حجر :

أبني لبيني لستمُ بيد *** إلا يد ليست لها عضد

يعني غير يده ، قال الله

{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] أي غير الله .

وقال بعضهم : إنما هذا على كلامين ، يريد : وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً أرسلنا بالبينات والزبر ويشهد على ذلك بقول الأعمش :

وليس مجيراً إن أتى الحي خائف *** ولا قائلا إلاّ هو المتعيّبا

يقول : لو كان بذلك على كلمة لكان خطأ من سفه القائل ، ولكن جاء ذلك على كلامين كقول الآخر :

نبّئتهم عذّبوا بالنار جارهم *** وهل يعذّب إلاّ الله بالنار

وتأويل الكلام : وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نوحي إليهم أرسلناهم بالبينات والزبر .

{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }