إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (44)

{ بالبينات والزبر } بالمعجزات والكتبِ ، والباءُ متعلقةٌ بمقدر وقع جواباً عن سؤال من قال : بمَ أُرسلوا ؟ فقيل : أرسلوا بالبينات والزبر ، أو بما أرسلنا داخلاً تحت الاستثناء مع رجالاً عند من يجوّزه ، أي ما أرسلنا إلا رجالاً بالبينات كقولك : ما ضربت إلا زيداً بالسوط ، أو على نية التقديمِ قبل أداة الاستثناءِ أي ما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالاً عند من يجوّز تأخرَ صلةِ ما قبل إلا إلى ما بعده ، أو ما وقع صفةً للمستثنى أي إلا رجالاً ملتبسين بالبينات أو بنوحي على المفعولية أو الحالية من القائم مقامَ فاعل يوحى وهو إليهم على أن قوله تعالى : { فاسألوا } اعتراضٌ أو بقوله { لاَ تَعْلَمُونَ } على أن الشرطَ للتبكيت كقول الأجير : إن كنت عمِلْتُ لك فأعطِني حقي .

{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر } أي القرآنَ ، وإنما سُمّي به لأنه تذكيرٌ وتنبيهٌ للغافلين { لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ } كافةً ويدخل فيهم أهلُ مكة دخولاً أولياً { مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ } في ذلك الذكرِ من الأحكام والشرائعِ وغير ذلك من أحوال القرونِ المهلَكة بأفانين العذابِ حسب أعمالِهم الموجبةِ لذلك على وجه التفصيلِ بياناً شافياً ، كما ينبئ عنه صيغةُ التفعيل في الفعلين لاسيما بعد ورودِ الثاني أو لا على صيغة الإفعالِ ، ولِما أن التبيينَ أعمُّ من التصريح بالمقصود ومن الإرشاد إلى ما يدل عليه دخل تحته القياسُ على الإطلاق سواءٌ كان في الأحكام الشرعية أو غيرِها ، ولعل قوله عز وجل : { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } إشارةٌ إلى ذلك أي إرادةَ أن يتأملوا فيتنبّهوا للحقائق وما فيه من العبر ، ويحترزوا عما يؤدي إلى مثل ما أصاب الأولين من العذاب .