قوله عز وجل :{ يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم } وهم اليهود ، وذلك أن أناساً من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين ، يتوصلون إليهم بذلك فيصيبون من ثمارهم ، فنهاهم الله عن ذلك ، { قد يئسوا } يعني هؤلاء اليهود ، { من الآخرة } بأن يكون لهم فيها ثواب وخير ، { كما يئس الكفار من أصحاب القبور } أي : كما يئس الكفار الذين ماتوا وصاروا في القبور من أن يكون لهم حظ وثواب في الآخرة . قال مجاهد : الكفار حين دخلوا قبورهم يأسوا من رحمة الله . قال سعيد بن جبير : يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار الذين ماتوا فعاينوا الآخرة . وقيل : كما يئس الكفار من أصحاب القبور أن يرجعوا إليهم .
وكما افتتح - سبحانه - السورة الكريمة بنداء للمؤمنين ، نهاهم فيه عن موالاة أعدائه وأعدائهم ، اختتمها - أيضا - بنداء لهم ، نهاهم فيه مرة أخرى عن مصافاة قوم قد غضب الله عليهم ، فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ . . . } .
المراد بالقوم الذين غضب الله عليهم : المشركون ، بصفة عامة ، ويدخل فيهم دخولا أوليا اليهود ، لأن هذا الوصف كثيرا ما يطلق عليهم .
فقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية ، أن قوما من فقراء المؤمنين ، كانوا يواصلون اليهود . ليصيبوا من ثمارهم ، وربما أخبروهم عن شىء من أخبار المسلمين ، فنزلت الآية لتنهاهم عن ذلك .
أى : يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإيمان ، ينهاكم الله - تعالى - عن أن تتخذوا الأقوام الذين غضب الله عليهم أولياء ، وأصفيا ، بأن تفشوا إليهم أسرار المسلمين ، أو بأن تطلعوهم على مالا يصح الاطلاع عليه .
وقوله - تعالى - : { قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور } تعليل للنهى عن موالاتهم ، وتنفير من الركون إليهم .
واليأس : فقدان الأمل فى الحصول على الشىء ، أو فى توقع حدوثه .
والكلام على حذف مضاف ، أى قد يئس هؤلاء اليهود من العمل لللآخرة وما فيها من ثواب ، وآثروا عليها الحياة الفانية . . . كما يئس الكفار من عودة موتاهم إلى الحياة مرة أخرى للحساب والجزاء ، لاعتقادهم بأنه لا بعث بعد الموت ، ولا ثواب ولا عقاب - كما حكى القرآن عنهم ذلك فى آيات كثيرة منها قوله - تعالى - { قالوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } فالمقصود من الآية الكريمة ، تشبيه حال هؤلاء اليهود فى شدة إعراضهم عن العمل للأخرة . . . بحال أولئك الكفار الذين أنكروا إنكارا تاما ، أن هناك بعثا للأموات الذين فارقوا الحياة ، ودفنوا فى قبورهم .
وعلى هذا الوجه يكون قوله - تعالى - : { مِنْ أَصْحَابِ القبور } متعلق بقوله { يَئِسُواْ } و { مِنْ } لابتداء الغاية .
ويصح أن يكون قوله - تعالى - : { مِنْ أَصْحَابِ القبور } بيانا للكفار ، فيكون المعنى : قد يئسوا من الآخرة ، وما فيها من جزاء . . كما يئس الكفار الذين ماتوا وسكنوا القبور ، من أن ينالوا شيئا - ولو قليلا - من الرحمة ، أو تخفيف العذاب عنهم ، أو العودة إلى الدنيا ليعملوا عملا صالحا غير الذى أرداهم وأهلكهم .
وعلى كلا القولين ، فالآية الكريمة تنهى المؤمنين عن موالاة قوم غضب الله عليهم ، بأبلغ أسلوب ، وأحكم بيان .
حيث وصفت هؤلاء القوم ، بأنهم قد أحاط بهم غضب الله - تعالى - بسبب فسوقهم عن أمره ، وإعراضهم عن طاعته ، وإنكارهم للدار الآخرة وما فيها من جزاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.