فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ قَدۡ يَئِسُواْ مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلۡكُفَّارُ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡقُبُورِ} (13)

{ يا أيها الذين آمنوا } لما افتتح السورة بالنهي عن اتخاذ الكفار أولياء ، ختمها بمثل ذلك تأكيدا لعدم موالاتهم ، وتنفيرا للمسلمين عنها ، قاله أبو حيان وهذا على منوال رد العجز على الصدر من حيث المعنى ، { لا تتولوا قوما غضب الله عليهم } هم جميع طوائف الكفر ، وقيل : اليهود خاصة وقيل : المنافقون خاصة ، وقال الحسن : اليهود والنصارى ، والأول أولى ، لأن جميع طوائف الكفر تتصف بأن الله سبحانه غضب عليها ، قال ابن عباس في الآية : كان عبد الله بن عمر وزيد بن الحرث يوادان رجلا من اليهود فانزل الله هذه الآية .

{ قد يئسوا من الآخرة } يرد على هذا أنهم طامعون في ثواب الآخرة ، لأنهم يعتقدون أنهم على حق وأن تمسكهم بشريعة موسى ينفعهم فلا يكونوا آيسين ، ويمكن أن يقال : المراد باليأس الحرمان أي قد حرموا من ثواب الآخرة و { من } لابتداء الغاية أي أنهم لا يوقنون بالآخرة البتة بسبب كفرهم ، قال ابن مسعود : أي لا يؤمنون بها ولا يرجونها ، { كما يئس الكفار من أصحاب القبور } أي كيأسهم من بعث موتاهم ، لاعتقادهم عدم البعث .

وقيل : كما يئس الكفار الذين قد ماتوا منهم من خير الآخرة لأنهم قد وقفوا على الحقيقة ، وعلموا أنه لا نصيب لهم في الآخرة ، فيكون ( من ) على الوجه الأول ابتدائية ، وعلى الثانية بيانية ، والأول أولى ، وقيل : تبعيضية أي حال كونهم بعض أصحاب القبور ، إذ المقبورون فيهم المؤمن والكافر ، قال ابن مسعود : كما يئس الكافر إذا مات وعاين ثوابه ، واطلع عليه ، وقال ابن عباس : هم الكفار أصحاب القبور الذين يئسوا من الآخرة ، وعنه قال : من مات من الذين كفروا فقد يئس الأحياء من الذين كفروا أن يرجعوا إليهم أو يبعثهم الله تعالى .