بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ قَدۡ يَئِسُواْ مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلۡكُفَّارُ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡقُبُورِ} (13)

قوله تعالى : { يا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ } ، وذلك أن ناساً من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأمر المسلمين ، يتواصلون إليهم بذلك ، فيصيبون من ثمارهم وطعامهم وشرابهم ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، فقال : { يا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ } يعني : لا تتخذوا الصداقة مع قوم غضب الله عليهم ، ويقال : هَذَا أَيضاً في حاطب بن أبي بلتعة .

ثم قال عز وجل : { قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أصحاب القبور } ؛ قال مقاتل : وذلك أن الكافر إذا وضع في قبره ، أتاه ملك شديد الانتهار ، فيجلسه ، ثم يسأله : من ربك ، وما دينك ، ومن رسولك ؟ فيقول : لا أدري . فيقول الملك : أبعدك الله ، انظر يا عدو الله إلى منزلك . فينظر إليه من النار ، فيدعو بالويل والثبور ، فيقول : هذا لك يا عدو الله . فيفتح له باب إلى الجنة ، فيقول : هذا لمن آمن بالله تعالى ، فلو كنت آمنت بربك نزلت الجنة . فيكون حسرة عليه ، وينقطع رجاؤه منها . وعلم أنه أبعد له فيها ، ويئس من خير الجنة ، فذلك قوله تعالى : للكفار أهل الدنيا الأحياء منهم { قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة } يعني : من خير الآخرة ، لأنهم كذبوا بالثواب والعقاب ، وهم آيسون من الجنة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ، إذا عرف منازله ؛ ويقال : إن الكفار إذا مات منهم أحد ، يئسوا من رجوعه ، فيقال : قد يئس هؤلاء من الآخرة ، كما يئس الكفار من أصحاب القبور من رجوعهم ؛ ويقال : { يَئِسُواْ مِنَ الآخرة } يعني : هؤلاء الكفار كما يئس الكفار الذين كانوا قبلهم من الآخرة ؛ وهو اليوم من أصحاب القبور ؛ والله أعلم بالصواب ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه وسلم .