اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ قَدۡ يَئِسُواْ مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلۡكُفَّارُ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡقُبُورِ} (13)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ } ، وهم اليهود .

فقوله : { غضب الله عليهم } صفة ل «قوماً » ، وكذلك : «قَدْ يَئِسُوا » وقوله : { مِنَ الآخرة } .

«مِنْ » لابتداء الغاية ، أيضاً كالأولى أي : أنهم لا يوقنون [ بالآخرة ألبتة ]{[56350]} .

و{ مِنْ أَصْحَابِ القبور } . فيه وجهان{[56351]} :

[ أحدهما : أنها لابتداء الغاية أيضاً كالأولى ، والمعنى : أنهم لا يوقنون ببعث الموتى ألبتة ، فيأسهم من الآخرة من موتاهم ]{[56352]} لاعتقادهم عدم بعثهم .

والثاني : أنها لبيان الجنس ، يعني : أن الكفار هم أصحاب القبور .

والمعنى : أنَّ هؤلاء يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار الذين هم أصحاب القبور من خير الآخرة ، فيكون متعلق «يئس » الثاني محذوفاً{[56353]} .

وقرأ{[56354]} ابن أبي الزِّناد : «الكافر » ب «الإفراد » .

فصل في نزول الآية{[56355]} :

قال ابنُ زيدٍ : إنَّ ناساً من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المؤمنين ، ويواصلونهم ، فيصيبون بذلك من ثمارهم ، فنهوا عن ذلك ، { قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة } يعني : اليهود قد يئسوا من الآخرة بأن يكون لهم فيها ثواب وخير ، { كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور } أي : يئس الكفار الذين ماتوا وصاروا إلى القبور من أن يكون لهم ثواب وحظ في الآخرة{[56356]} .

وقال مجاهد : الكفار حين دخلوا قبورهم يئسوا من رحمة الله{[56357]} .

وقيل : هم المنافقون .

وقال الحسن وقتادة : هم اليهود والنصارى{[56358]} .

وقال ابن مسعودٍ : معناه : أنهم تركوا العمل للآخرة ، وآثروا الدنيا{[56359]} .

وقال الحسنُ وقتادةُ : معناه : أن الكُفَّار الذين هم أحياء ، يئسوا من الكفار ومن أصحاب القبور أن يرجعوا إليهم{[56360]} .

وقيل : إن الله - تعالى - ختم السورة بما بدأها من ترك موالاة الكفار ، وهي خطاب لحاطب بن أبي بلتعةَ وغيره .

قال ابن عباس : قوله : { لاَ تَتَوَلَّوْاْ } أي : لا توالوهم ، ولا تناصحوهم ، رجع تعالى بطوله وفضله على حاطب بن أبي بلتعة ، يريد أن كفار قريش يئسوا من خير الدنيا ، كما يئس الكفار المقبورون من حظ يكون لهم في الآخرة من رحمة الله تعالى{[56361]} .

ختام السورة:

روى الثَّعلبيُّ في تفسيره عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ سُورةَ المُمتحنةِ كَانَ المُؤمِنُونَ والمُؤمِنَاتُ لَهُ شُفَعَاء يَوْمَ القِيَامَةِ »{[1]} والله سبحانه وتعالى أعلم .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[56350]:في أ: ببعث الموتى.
[56351]:ينظر: الدر المصون 6/308.
[56352]:سقط من أ.
[56353]:ينظر السابق.
[56354]:ينظر: البحر المحيط 8/256، والدر المصون 6/308.
[56355]:ينظر: القرطبي 18/50.
[56356]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/50).
[56357]:ينظر تفسير البغوي(4/336).
[56358]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/50) عن الحسن.
[56359]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/50).
[56360]:تقدم.
[56361]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/50).