التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ قَدۡ يَئِسُواْ مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلۡكُفَّارُ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡقُبُورِ} (13)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ ( 1 ) كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ( 2 ) } ( 13 ) .

( 1 ) قد يئسوا من الآخرة : من المفسرين من أول الجملة بمعنى : قد يئسوا من رحمة الله ورضائه وثوابه في الآخرة . ومنهم من أولها بمعنى قد يئسوا من أي احتمال للبعث الأخروي . وكلا التأويلين وجيه تتحمله العبارة .

( 2 ) كما يئس الكفار من أصحاب القبور : بعض المفسرين أول الجملة بمعنى أن الأحياء من الكفار قد يئسوا من أي احتمال لبعث الذين ماتوا وصاروا أصحاب القبور . وبعضهم أولها بمعنى أن الأموات من الكفار يئسوا من أي بعث أخروي أو من رحمة الله ورضائه في الآخرة ، والتأويلات الثلاثة وجيهة ومحتملة .

وفي هذه الآية نهي للمؤمنين عن موالاة أناس غضب الله عليهم ، فغدوا يائسين من رضاء الله في الآخرة ، أو ليس عندهم أي احتمال لبعث أخروي . وكان مثلهم في ذلك كمثل يأس الكفار الأموات من رحمة الله ورضائه في الآخرة أو يأس الكفار الأحياء من أي احتمال لبعث الأموات .

ولم يرو المفسرون ( 1 ){[2204]} ، رواية في نزول الآية ، وإنما قالوا : إن المقصود من ( قوم ) هم اليهود وإنه كان أناس من فقراء المسلمين يتصلون باليهود ويخبرونهم بأخبار المسلمين فيصيبون من ثمارهم فنهاهم الله .

ويلحظ أن السورة قد نزلت قبيل الفتح المكي على ما سبق ذكره . وقد كان يهود المدينة قد أجلوا قبل ذلك بنحو سنتين عنها ، كما أن خيبر وغيرها من القرى كانت دخلت في حيازة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين وحكمهم ، فلم يبق يهود يصح أن يتخذهم المسلمون أولياء . ولقد بدأت السورة بنهي المسلمين عن اتخاذ الكفار المشركين أولياء والمساررة إليهم بالمودة . ويتبادر لنا أن حكمة التنزيل شاءت أن تختم بالنهي نفسه حتى يجتمع طرفاها في أمر واحد . فإذا صح هذا يكون في الآية مشهد من مشاهد التأليف القرآني . ويكون القوم هم الكفار المشركون أنفسهم ، وهو ما نرجو أن يكون صحيحا . وليس من الضروري أن يكون وصف القوم بأنهم الذين { غضب الله عليهم } مصروفا إلى اليهود ، ولو أن القرآن كثيرا ما وصفهم به ، وهذا الاعتبار هو على الأغلب الذي أوحى بذلك ، فالوصف يصح على كل كافر بطبيعة الحال . والله تعالى أعلم .


[2204]:انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير وغيرهم.