البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ قَدۡ يَئِسُواْ مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلۡكُفَّارُ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡقُبُورِ} (13)

وروي أن قوماً من فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم ، فقيل لهم : لا تتولوا قوماً مغضوباً عليهم وعلى أنهم اليهود ، فسرهم الحسن وابن زيد ومنذر بن سعيد ، لأن غضب الله قد صار عرفاً لهم .

وقال ابن عباس : كفار قريش ، لأن كل كافر عليه غضب من الله .

وقيل : اليهود والنصارى .

{ قد يئسوا من الآخرة } ، قال ابن عباس : من خيرها وثوابها .

والظاهر أن من في { من أصحاب القبور } لابتداء الغاية ، أي لقاء أصحاب القبور .

فمن الثانية كالأولى من الآخرة .

فالمعنى أنهم لا يلقونهم في دار الدنيا بعد موتهم .

وقال ابن عرفة : هم الذين قالوا : ما يهلكنا إلا الدهر . انتهى .

والكفار على هذا كفار مكة ، لأنهم إذا مات لهم حميم قالوا : هذا آخر العهد به ، لن يبعث أبداً ، وهذا تأويل ابن عباس وقتادة والحسن .

وقيل : من لبيان الجنس ، أي الكفار الذين هم أصحاب القبور ، والمأيوس منه محذوف ، أي كما يئس الكفار المقبورون من رحمة الله ، لأنه إذا كان حياً لم يقبر ، كان يرجى له أن لا ييأس من رحمة الله ، إذ هو متوقع إيمانه ، وهذا تأويل مجاهد وابن جبير وابن زيد .

وقال ابن عطية : وبيان الجنس أظهر . انتهى .

وقد ذكرنا أن الظاهر كون من لابتداء الغاية ، إذ لا يحتاج الكلام إلى تقدير محذوف .

وقرأ ابن أبي الزناد : كما يئس الكافر على الإفراد .

والجمهور : على الجمع .

ولما فتح هذه السورة بالنهي عن اتخاذ الكفار أولياء ، ختمها بمثل ذلك تأكيداً لترك موالاتهم وتنفير المسلمين عن توليهم وإلقاء المودّة إليهم .