{ وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } أي وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به ، فقوله { ليؤمنن به } جملة قسمية وقعت صفة لأحد ويعود إليه الضمير الثاني ، والأول لعيسى عليه الصلاة والسلام . والمعنى ما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن بأن عيسى عبد الله ورسوله قبل أن يموت ولو حين أن تزهق روحه ولا ينفعه إيمانه ويؤيد ذلك أنه قرئ . " إلا ليؤمنن به قبل موتهم " بضم النون لأن أحدا في معنى الجمع ، وهذا كالوعيد لهم والتحريض على معاجلة الإيمان به قبل أن يضطروا إليه ولم ينفعهم إيمانهم . وقيل الضميران لعيسى عليه أفضل الصلاة والسلام ، والمعنى : أنه إذا نزل من السماء آمن به أهل الملل جميعا . روي : أنه عليه الصلاة والسلام ينزل من السماء حين يخرج الدجال فيهلكه ولا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به ، حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام ، وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمور مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، وتلعب الصبيان بالحيات . ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه ، { ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا } فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله .
وقوله تعالى : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } اختلف المتأولون في معنى الآية فقال ابن عباس وأبو مالك والحسن بن أبي الحسن وغيرهم : الضمير في { موته } راجع إلى عيسى ، والمعنى أنه لا يبقى من أهل الكتاب أحد إذا نزل عيسى إلى الأرض إلا يؤمن بعيسى كما يؤمن سائر البشر ، وترجع الأديان كلها واحداً ، وقال مجاهد وابن عباس أيضاً وغيرهما : الضمير في { به } لعيسى وفي { موته } للكتابي الذي تضمنه قوله { وإن من أهل الكتاب } التقدير : وإن من أهل الكتاب أحد{[4368]} ، قالوا : وليس يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى روح الله ، ويعلم أنه نبي ولكن عند المعاينة للموت ، فهو إيمان لا ينفعه ، كما لم ينفع فرعون إيمانه عند المعاينة ، وقال هذا القول عكرمة والضحاك والحسن بن أبي الحسن أيضاً ، وقال عكرمة أيضاً : الضمير في { به } لمحمد عليه السلام ، و { قبل موته } للكتابي ، قال : وليس يخرج يهودي ولا نصراني من الدنيا حتى يؤمن بمحمد ، ولو غرق أو سقط عليه جدار فإنه يؤمن في ذلك الوقت ، وفي مصحف أبي بن كعب «قبل موتهم » ففي هذه القراءة تقوية لعود الضمير على الكتابي ، وقرأ الفياض بن غزوان «وإنّ من أهل الكتاب » بتشديد «إن » والضمير المستتر في يكون هو لعيسى عليه السلام في جل الأقوال ، ولمحمد عليه السلام في قول عكرمة .
عطف على جملة { وما قتلوه } [ النساء : 157 ] . وهذا الكلام إخبار عنهم ، وليس أمراً لهم ، لأنّ وقوع لام الابتداء فيه ينادي على الخبرية . و { إن } نافية و { من أهل الكتاب } صفة لموصوف محذوف تقديره : أحد .
والضمير المجرور عائد لعيسى : أيّ ليومنَنّ بعيسى ، والضمير في { موته } يحتمل أن يعود إلى أحد أهل الكتاب ، أي قبل أن يموت الكتابيّ ، ويؤيّده قراءة أبَي بن كعب { إلا ليؤمنن به قبل موته } . وأهل الكتاب يطلق على اليهود والنّصارى ؛ فأمّا النصارى فهم مؤمنون بعيسى من قبل ، فيتعيّن أن يكون المراد بأهل الكتاب اليهود . والمعنى أنّ اليهود مع شدّة كفرهم بعيسى لا يموت أحد منهم إلاّ وهو يؤمن بنبوّته قبل موته ، أي ينكشف له ذلك عند الاحْتضار قبل انزهاق روحه ، وهذه منّة مَنّ الله بها على عيسى ، إذ جعل أعداءه لا يخرجون من الدنيا إلاّ وقد آمنوا به جزاء له على ما لقي من تكذيبهم ، لأنّه لم يتمتّع بمشاهدة أمّةٍ تتبعه . وقيل : كذلك النصرانيّ عند موته ينكشف له أنّ عيسى عبد الله .
وعندي أنّ ضمير { به } راجع إلى الرفع المأخوذ من فعل { رفعه الله إليه } [ النساء : 158 ] ، ويعمّ قولُه { أهلِ الكتاب } اليهودَ ، والنّصارى ، حيث استووا مع اليهود في اعتقاد وقوع الصلب .
والظاهر أنّ الله يقذف في نفوس أهل الكتابين الشكّ في صحّة الصلب ، فلا يزال الشكّ يخالج قلوبهم ويقوَى حتّى يبلغ مبلغ العلم بعدم صحّة الصلب في آخر أعمارهم تصديقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حيث كذّب أخبارهم فنفَى الصلبَ عن عيسى عليه السلام .
وقيل : الضمير في قوله { موته } عائد إلى عيسى ، أي قبل موت عيسى ، ففرّع القائلون بهذا تفاريع : منها أنّ موته لا يقع إلاّ آخر الدنيا ليتمّ إيمان جميع أهل الكتاب به قبل وقوع الموت ، لأنّ الله جعل إيمانهم مستقبلاً وجعله قبل موته ، فلزم أن يكون موته مستقبلاً ؛ ومنها ما ورد في الحديث : أنّ عيسى عليه السلام ينزل في آخر مدّة الدنيا ليؤمن به أهل الكتاب ، ولا يخفى أنّ عموم قوله : { وإن من أهل الكتاب } يبطل هذا التفسير : لأنّ الَّذين يؤمنون به على حسب هذا التأويل هم الذين سيوجدون من أهل الكتاب لا جميعهم .
والشهيد : الشاهد ؛ يشهد بأنّه بلّغ لهم دعوة ربّهم فأعرضوا ، وبأنّ النّصَارى بدّلوا ، ومعنى الآية مفصّل في قوله تعالى : { يوم يجمع الله الرسل } الآيَات في سورة العقود ( 109 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.