المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ} (91)

91- الذين جعلوا القرآن بهذا التقسيم قطعاً متفرقة ، وهو كل لا يقبل التجزئة في إعجازه وصدقه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ} (91)

وقوله : { الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } أي : جَزَّؤوا كتبهم المنزلة عليهم ، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض .

قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أنبأنا أبو بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس : { جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } قال : هم أهل الكتاب ، جَزَّؤوه أجزاء ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه{[16262]} {[16263]}

/خ91

وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } قال : السحر{[16264]} وقال عكرمة : العَضْه : السحر بلسان قريش ، تقول{[16265]} للساحرة : إنها العاضهة{[16266]}

وقال مجاهد : عَضوه أعضاء ، قالوا : سحر ، وقالوا : كهانة ، وقالوا : أساطير الأولين .

وقال عطاء : قال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : مجنون . وقال بعضهم كاهن . فذلك

العضين{[16267]} وكذا روي عن الضحاك وغيره .

وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس : أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش ، وكان ذا شرف{[16268]} فيهم ، وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضًا . فقالوا : وأنت يا أبا عبد شمس ، فقل{[16269]} وأقم لنا رأيا نقول به . قال : بل أنتم قولوا{[16270]} لأسمع . قالوا : نقول{[16271]} كاهن " . قال : ما هو بكاهن . قالوا : فنقول : " مجنون " . قال : ما هو بمجنون ! قالوا{[16272]} فنقول : " شاعر " . قال : ما هو بشاعر ! قالوا : فنقول : " ساحر " . قال : ما هو بساحر ! قالوا : فماذا نقول ؟ قال : والله إن لقوله حلاوة ، فما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عُرف أنه باطل ، وإن أقرب القول أن تقولوا : هو ساحر . فتفرقوا عنه بذلك ، وأنزل الله فيهم : { الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } أصنافا{[16273]}


[16262]:صحيح البخاري برقم (4705).
[16263]:في هـ بعد قوله "وكفروا ببعضه" ما يلي: "حدثنا عبيد الله بن موسى، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس: (جعلوا القرآن عضين) قال: هم أهل الكتاب، جزءوه أجزاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه" وليس في صحيح البخاري ولا في باقي النسخ، وهو خطأ.
[16264]:في ت، أ: "سحر".
[16265]:في ت: "يقول".
[16266]:في ت: "الكاهنة".
[16267]:في ت: "الحضين".
[16268]:في ت، أ: "ذا سن".
[16269]:في ت: "فقيل".
[16270]:في ت، أ: "تقولوا".
[16271]:في ت: "فنقول".
[16272]:في أ: "قال".
[16273]:في ت: "أضيافا".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ} (91)

وقوله { عضين } مفعول ثان وجعل بمعنى صير ، أي بألسنتهم ودعواهم ، وأظهر ما فيه أنه جمع عضة ، وهي الفرقة من الشيء والجماعة من الناس كثبة وثبين وعزة وعزين ، وأصلها عضهة وثبوة فالياء والنون عوض من المحذوف ، كما قالوا سنة وسنون ، إذ أصلها سنهة{[7224]} ، وقال ابن عباس وغيره : { عضين } مأخوذ من الأعضاء أي عضوة فجعلوه أعضاء مقسماً ، ومن ذلك قول الراجز :

وليس دين الله بالمعضى{[7225]} . . . وهذا هو اختيار أبي عبيدة ، وقال قتادة { عضين } مأخوذ من العضة وهو السب المفحش ، فقريش عضهوا كتاب الله بقولهم : هو شعر ، هو سحر ، هو كهانة ، وهذا هو اختيار الكسائي ، وقالت فرقة : { عضين } جمع عضة وهي اسم للسحر خاصة بلغة قريش ، ومنه قول الراجز :

للماء من عضتهن زمزمة{[7226]} . . . . وقال هذا قول عكرمة مولى ابن عباس ، وقال العضة السحر ، وهم يقولون للساحرة العاضهة ، وفي الحديث «لعن الله العاضهة والمستعضهة »{[7227]} ، وهذا هو اختيار الفراء .

قال القاضي أبو محمد : ومن قال جعلوه أعضاء فإنما أراد قسموه كما تقسم الجزور أعضاء .


[7224]:استقلوا الجمع بين هاءين فقالوا: عضة، كما قالوا: شفة، والأصل شفهة، وسنة، والأصل سنهة، ومن علماء العربية من قال: عضين واحدتها عضة، ولكن أصلها عضوة من: عضيت الشيء إذا فرقته، جعلوا النقصان هو الواو. اتفقوا على أن الأصل (عضة) ولكن اختلفوا في المحذوف، أهو واو أو هاء؟
[7225]:الراجز هو رؤبة بن العجاج، والبيت من قصيدة له يمدح بها تميم ونفسه. يقول: "إن دين الله ليس أقساما ولا أجزاء"، وفي مطلع القصيدة يقول: داينت أروى والديون تقضى فمطلت بعضا وأدت بعضا
[7226]:جاء في (اللسان عضه):العضه: السحر والكهانة، واالعاضه: الساحر،الفعل كالفعل والمصدر كالمصدر،قال: أعوذ بربي من النافثا *** ت في عضه العاضه المعضه وسمي السحر عضها لأنه كذب وتخييل لا حقيقة له. وعلى هذا نفهم كلام هذه الفرقة، والرجز الذي ساقه ابن عطية يشهد بأن العضة اسم للسحر، والزمزمة: صوت خفي لا يكاد يفهم، وزمزمة الماء: كثرته، يقول: إن للماء من سحرهن كثرة، أو صوت خفي لا يكاد يفهم. ولم نقف على قائل الرجز. قال ابن الأثير في النهاية: "هي الساحرة والمستسحرة، سمي السحر عضها لأنه كذب وتخييل لا حقيقة له".
[7227]:?????
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ} (91)

وقد أجمل المراد بالمقتسمين إجمالاً بيّنه وصفهم بالصلة في قوله تعالى : { الذين جعلوا القرآن عضين } ؛ فلا يَحتمل أن يكون المقتسمون غير الفريقيْن المذكوريْن آنفاً .

ومعنى التقسيم والتجزئة هنا تفرقة الصّفات والأحوال لا تجزئة الذّات .

{ القرآن } هنا يجوز أن يكون المراد به الاسم المجعول علماً لكتاب الإسلام . ويجوز أن يكون المراد به الكتاب المقروء فيصدق بالتوراة والإنجيل .

و { عضين } جمع عضة ، والعضة : الجزء والقطعة من الشيء . وأصلها عضو فحذفت الواو التي هي لام الكلمة وعوض عنها الهاء مثل الهاء في سنة وشفّة . وحذف اللاّم قصد منه تخفيف الكلمة لأن الواو في آخر الكلمة تثقل عند الوقف عليها ، فعوضوا عنها حرفاً لئلا تبقى الكلمة على حرفين ، وجعلوا العوض هاء لأنّها أسعد الحروف بحالة الوقف . وجمع ( عضة ) على صيغة جمع المذكر السّالم على وجه شاذ .

وعلى الوجهين المتقدّمين في المراد من القرآن في هذه الآية فالمقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين هم أهل الكتاب اليهود والنصارى فهم جحدوا بعض ما أنزل إليهم من القرآن ، أطلق على كتابهم القرآن لأنه كتاب مقروء ، فأظهروا بعضاً وكتموا بعضاً ، قال الله تعالى : { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً } [ سورة الأنعام : 91 ] فكانوا فيما كتموه شبيهين بالمشركين فيما رفضوه من القرآن المنزّل على محمد وهم أيضاً جعلوا القرآن المنزل على محمد عضين فصدّقوا بعضه وهو ما وافق أحوالهم ، وكذبوا بعضه المخالف لأهوائهم مثل نسخ شريعتهم وإبطال بنوّة عيسى لله تعالى ، فكانوا إذا سألهم المشركون : هل القرآن صدق ؟ قالوا : بعضه صدق وبعضه كذب ، فأشبه اختلافُهم اختلافَ المشركين في وصف القرآن بأوصاف مختلفة ، كقولهم : { أساطيرُ الأولين } [ سورة الأنعام : 25 ] ، وقولُ كاهن ، وقول شاعر .

وروي عن قتادة أن المقتسمين نفر من مشركي قريش جمعهم الوليد بن المغيرة لما جاءَ وقت الحجّ فقال : إن وفود العرب ستقدَم عليكم وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجْمعوا فيه رأياً واحداً ، فانتدب لذلك ستة عشر رجلاً فتقاسموا مداخل مكة وطرقها ليُنفّروا الناس عن الإسلام ، فبعضهم يقول : لا تغترّوا بهذا القرآن فهو سحر ، وبعضهم يقول : هو شعر ، وبعضهم يقول : كلام مجنون ، وبعضهم يقول : قول كاهن ، وبعضهم يقول : هو أساطير الأولين اكتتبها ، فقد قسموا القرآن أنواعاً باعتبار اختلاف أوصافه .

وهؤلاء النّفر هم : حنظلة بن أبي سفيان ، وعتبة بن ربيعة ، وأخوه شَيبة ، والوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام ، وأخوه العاص ، وأبو قيس بن الوليد ، وقيس بن الفاكه ، وزهير بن أميّة ، وهلال بن عبد الأسود ، والسائب بن صيفي ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الحجّاج ، وأميّة بن خلف ، وأوس بن المغيرة .

واعلم أن معنى المقتسمين على الوجه المختار المقتسمون القرآن . وهذا هو معنى جعلوا القرآن عضين } ، فكان ثاني الوصفين بياناً لأولهما وإنّما اختلفت العبارتان للتفنّن .

وأن ذمّ المشبّه بهم يقتضي ذمّ المشبهين فعلم أن المشبهين قد تلقوا القرآن العظيم بالردّ والتكذيب .