المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (11)

11- وإن أفلت منكم بعض زوجاتكم إلى الكفار ، ثم حاربتموهم ، فآتوا الذين ذهبت زوجاتهم مثل ما أنفقوا عليهن من صداق ، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (11)

ثم قال : { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } قال مجاهد ، وقتادة : هذا في الكفار الذين ليس لهم عهد ، إذا فرت إليهم امرأة ولم يدفعوا إلى زوجها شيئًا ، فإذا جاءت منهم امرأة لا يدفع إلى زوجها شيء ، حتى يدفع إلى زوج الذاهبة إليهم مثل نفقته عليها .

وقال ابن جرير : حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن الزهري قال : أقر المؤمنون بحكم الله ، فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم ، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين ، فقال الله للمؤمنين به : { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } فلو أنها ذهبت بعد هذه الآية امرأةٌ من أزواج المؤمنين إلى المشركين ، رَدّ المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العَقب الذي بأيديهم ، الذي أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمن وهاجرنَ ، ثم ردوا إلى المشركين فضلا إن كان بقي لهم . والعقب : ما كان [ بأيدي المؤمنين ]{[28697]} من صداق نساء الكفار حين آمنّ وهاجرن{[28698]} .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في هذه الآية : يعني إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار ، أمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق .

وهكذا قال مجاهد : { فَعَاقَبْتُم } أصبتم غنيمة من قريش أو غيرهم ، { فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } يعني : مهر مثلها . وهكذا قال مسروق ، وإبراهيم ، وقتادة ، ومقاتل ، والضحاك ، وسفيان بن حسين ، والزهري أيضًا .

وهذا لا ينافي الأول ؛ لأنه إن أمكن الأول{[28699]} فهو أولى ، وإلا فمن الغنائم اللاتي تؤخذ من أيدي الكفار . وهذا أوسع ، وهو اختيار ابن جرير ، ولله الحمد والمنة{[28700]}


[28697]:- (1) زيادة من تفسير الطبري.
[28698]:- (2) تفسير الطبري (28/48).
[28699]:- (3) في م: "أمكن بالأول".
[28700]:- (4) في م: "والله أعلم".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (11)

وأمر تعالى أن يسأل أيضاً الكافرون أن يدفعوا الصدقات التي أعطاها المؤمنون لمن فر من أزواجهم إلى الكفار ، وقرر الحكم بذلك على الجميع ، فروي عن ابن شهاب أن قريشاً قالت : نحن لا نرضى هذا الحكم ولا نلتزمه ولا ندفع لأحد صداقاً فنزلت بسبب ذلك هذه الآية الأخرى : { وإن فاتكم } الآية ، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يدفعوا إلى من فرت زوجته ففاتت بنفسها إلى الكفار صداقه الذي أنفق ، قال ابن عباس في كتاب الثعلبي : خمس نسوة من نساء المهاجرين رجعن عن الإسلام ولحقن بالمشركين : أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد{[11053]} ، وفاطمة بنت أبي أمية أخت أم سلمة ، كانت تحت عمر بن الخطاب ، وعبدة بنت عبد العزى كانت تحت هشام بن العاص ، وأم كلثوم بنت جرول كانت تحت عمر ، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم مهور نسائهم من الغنيمة{[11054]} .

واختلف الناس في أي مال يدفع إليه الصداق ، فقال محمد بن شهاب الزهري : يدفع إليه من الصدقات التي كانت تدفع إلى الكفار بسبب من هاجر من أزواجهم ، وأزال الله تعالى دفعها إليهم حين لم يرضوا حكمه حسبما ذكرناه ، وهذا قول صحيح يقتضيه قوله تعالى : { فعاقبتم } وسنبين ذلك في تفسير اللفظة إن شاء الله تعالى . وقال مجاهد وقتادة : يدفع إليه من غنائم المغازي ، وقال هؤلاء التعقيب بالغزو والمغنم وتأولوا اللفظة بهذا المعنى ، وقال الزهري أيضاً : يدفع إليه من اي وجوه الفيء أمكن ، والعاقبة في هذه الآية ، ليست بمعنى مجازاة السوء بالسوء لكنها بمعنى فصرتم منهم إلى الحال التي صاروا إليها منكم وذلك بأن يفوت إليكم شيء من أزواجكم ، وهكذا هو التعقيب على الجمل والدواب أن يركب هذا عقبة ويركب هذا عقبة .

وقرأ ابن مسعود : «وإن فاتكم أحد من أزواجكم » ويقال عاقب الرجل صاحبه في كذا ، أي جاء فعل كل واحد منهما بعقب فعل الآخر ، ومنه قول الشاعر [ الكميت ] :

وحاردت النكد الجلاد ولم يكن . . . لعقبة قدر المستعيرين معقب{[11055]} .

ويقال : «عقّب » بشد القاف ، أي أصاب عقبى ، والتعقيب : غزو إثر غزو ، ويقال «عقَب » بتخفيفها ، ويقال : «عقِب » بكسرها كل ذلك بمعنى : يقرب بعضه من بعض وبجميع ذلك قرئ ، قرأ جمهور الناس : «عاقبتم » وقرأ الأعرج ومجاهد والزهري وعكرمة وحميد : «عقَّبتم » بالتشديد في القاف ، وقرأ الأعرج أيضاً وأبو حيوة والزهري أيضاً : «عقَبتم » بفتح القاف خفيفة ، وقرأ النخعي والزهري أيضاً : «عقِبتم » بكسر القاف حكمها ، ثم ندب تعالى إلى التقوى وأوجبها ، وذكر العلة التي بها يجب التقوى وهي الإيمان بالله والتصديق بوحدانيته وصفاته وعقابه وإنعامه .


[11053]:هو عياض بن شداد بن غنم بن زهير بن أبي شداد القرشي الفهري، شهد المواقع كلها، وكان يُسمى: زاد الراكب لأنه كان يؤثر رفقته بزاده.
[11054]:لم يذكر هنا غير أربع، والذي في كتاب الثعلبي أنهن ست نسوة، ويضاف إلى ما هنا: بروع بنت عقبة، كانت تحت شماس بن عثمان، وشهبة بنت غيلان، ولم يذكر اسم زوجها.
[11055]:هذا البيت للكميت، وهو في الديوان والتاج واللسان، وهو في وصف الإبل، ومعنى حاردت: انقطعت ألبانها أو قلت، يقال: ناقة مُحارد ومحاردة: بمعنى: شديدة الحِراد، والنُّكد: التي ماتت أولادها، والجلاد: الغِلاظ الجلود، القصار الشعور، الشداد النصوص، وهذا النوع من الإبل أقوى وأصبر وأقل لبنا من نوع آخر أغرز لبنا وأضعف ويقال له: الخور، والعُقبة من التعقيب، وهو أن يأتي شيء بعد شيء، يقال: عقب هذا هذا إذا جاء بعده، ويقال أيضا: أعقب هذا هذا، فهو عقبة له، والبيت شاهد على أن أعقب بمعنى عقب، فالشاعر يقول: مُعقب، والقدر: إناء يُطبخ فيه- وهي مؤنثة وقد تذكر-، يقول: لقد جفت ألبان الإبل حتى لم يبق شيء يأخذه أحد من المستعيرين بعد آخرهم، أي لم يبق بعد الآخر آخر ثان.