قوله : { شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } : يجوز أَنْ يتعلَّقَ " مِنْ أزواجِكم " ب " فاتَكم " أي : مِنْ جهةِ أزواجِكم ، ويُراد بالشيء المَهْرُ الذي غُرِّمَه الزوجُ ؛ لأنَّ التفسيرَ وَرَدَ : أنَّ الرجلَ المسلمَ إذا فَرَّتْ زوجتُه إلى الكفار أَمَرَ اللَّهُ تعالى المؤمنين أَنْ يُعْطُوْه ما غُرِّمَه ، وفَعَله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع جمعٍ مِن الصحابة ، مذكورون في التفسير ، ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوف على أنَّه صفةٌ لشيء ، ثم يجوز في " شيء " أَنْ يُرادَ به ما تقدَّم من المُهورِ ، ولكن على هذا لا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ أي : مِنْ مُهورِ أزواجِكم ليتطابقَ الموصوفُ وصفتُه ، ويجوزُ أَنْ يُرادَ بشيء النساءُ أي : شيءٌ من النساء أي : نوعٌ وصنفٌ منهنَّ ، وهو ظاهرٌ ، وصَفَه بقولِه : " مِن أزواجِكم " .
وقد صرَّح الزمخشري بذلك فإنه قال : " وإنْ سبقكم وانفَلَت منكم شيءٌ مِنْ أزواجكم ، أحدٌ منهن إلى الكفار وفي قراءة ابنِ مسعود " أحد " فهذا تصريحٌ بأنَّ المرادَ بشيء النساءُ الفارَّاتُ . ثم قال : " فإنْ قلتَ : هل لإِيقاع " شيء " في هذا الموقعِ فائدةٌ ؟ قلت : نعم الفائدةُ فيه : أن لا يُغادِرَ شيئاً من هذا الجنسِ ، وإنْ قَلَّ وحَقُر ، غيرَ مُعَوَّضٍ منه ، تَغْليظاً في هذا الحكم وتشديداً فيه " ولولا نَصُّهُ على أنَّ المرادَ ب " شيء " " أحد " كما تقدَّم لكَان قولُه : " أن لا يغادِرَ شيئاً من هذا الجنس وإن قَلَّ وحَقُر " ظاهراً في أنَّ المرادَ ب " شيء " المَهْرُ ؛ لأنه يُوْصَفُ بالقلة والحَقارة وصفاً شائعاً . وقوله : " تغليظاً وتشديداً " فيه نظرٌ ؛ لأنَّ المسلمين ليس [ لهم ] تَسَبُّبٌ في فِرار النساءِ إلى الكفار ، حتى يُغَلَّظَ عليهم الحكمُ بذلك . وعَدَّى " فات " ب " إلى " لأنه ضُمِّن معنى الفِرار والذَّهابِ والسَّبْقِ ونحوِ ذلك .
قوله : { فَعَاقَبْتُمْ } عطفٌ على " فاتَكم " . وقرأ العامَّةُ " عاقَبْتُم " وفيه وجهان ، أحدهما : أنَّه من العقوبة . قال الزجاج : " فعاقبْتُم : فَأَصَبْتُموهم في القتالِ بعقوبةٍ حتى غَنِمْتُم " . الثاني : أنه من العُقْبة وهي النَّوْبَةُ ، شبَّه ما حَكَم به على المسلمين والكافرين مِنْ أداءِ هؤلاء مهورَ نساءِ أولئك تارةً ، وأولئك مهورَ نساءِ هؤلاء أخرى ، بأَمْرٍ يتعاقبون فيه كما يُتعاقَبُ في الرُّكوب وغيرِه ، ومعناه : فجاءَتْ عُقْبَتُكم مِنْ أداء المَهْر " انتهى .
وقرأ مجاهدٌ والأعرجُ والزهريُّ وأبو حيوةَ وعكرمةُ وحميدٌ بشَدِّ القاف ، دون ألفٍ ، ففَسَّرها الزمخشريُّ على أصلِه بعَقَّبه إذا قفَاه ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من المتعاقِبَيْن يَقْفي صاحبه وكذلك " عَقَبْتُم " بالتخفيف يقال : " عَقَبه يَعْقُبُه " انتهى . قلت : والذي قرأه بالتخفيف وفتحِ القافِ النخعيُّ وابن وثاب والزهري والأعرج أيضاً ، وبالتخفيف وكسر القافِ مَسْروقٌ والزهريُّ والنخعي أيضاً .
وقرأ مجاهد " أَعْقَبْتُمْ " . قال الزمخشريُّ معناه : " دَخَلْتُم في العُقْبة " .
وأمَّا الزجَّاجُ ففَسَّر القراءاتِ الباقيةَ : فكانت العُقْبى لكم أي : كانت الغلبةُ لكم حتى غَنِمْتُم . والظاهرُ أنه كما قال الزمخشريُّ من المعاقبة بمعنى المناوَبة . يقال : عاقَبَ الرجلُ صاحبَه في كذا أي : جاء فِعْلُ كلِّ واحد منهما بعَقِبِ فِعْلِ الآخرِ ويُقال : أَعْقَبَ أيضاً ، وأُنشِد :
وحارَدَتِ النُّكْدُ الجِلادُ ولم يكُنْ *** لعُقْبَةِ قِدْرِ المُسْتعيرينَ مُعقِبُ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.