قال تعالى : { وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى } أي : لولا الكلمة السابقة من الله وهو أنه{[19552]} لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه ، والأجل المسمى الذي ضربه الله تعالى لهؤلاء المكذبين إلى مدة معينة لجاءهم العذاب بغتة ؛
{ ولولا كلمة سبقت من ربك } وهي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة . { لكان لزاما } لكان مثل ما نزل بعاد وثمود لازما لهؤلاء الكفرة ، وهو مصدر وصف به أو اسم آلة سمي به اللازم لفرط لزومه كقولهم لزاز خصم . { وأجل مسمى } عطف على كلمة أي ولولا العدة بتأخير العذاب وأجل مسمى لأعمارهم ، أو لعذابهم وهو يوم القيامة أو يوم بدر لكان العذاب لزاما والفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب ، ويجوز عطفه على المستكن في كان أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين له .
جملة { ولوْلاَ كلِمَةٌ } عطف على جملة { أفلم يهد لهم } [ طه : 128 ] باعتبار ما فيها من التحذير والتهديد والعبرة بالقرون الماضية ، وبأنهم جديرون بأن يحل بهم مثل ما حل بأولئك . فلما كانوا قد غرّتهم أنفسهم بتكذيب الوعيد لِما رأوا من تأخر نزول العذاب بهم فكانوا يقولون { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ سبأ : 29 ] عقب وعيدهم بالتنبيه على ما يزيل غرورهم بأن سبب التأخير كلمةٌ سبقت من الله بذلك لحِكَم يعلمها . وهذا في معنى قوله { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون } [ سبأ : 29 ، 30 ] .
والكلمة : مستعملة هنا فيما شأنه أن تدل عليه الكلمات اللفظية من المعاني ، وهو المسمى عند الأشاعرة بالكلام النفسي الراجع إلى علم الله تعالى بما سيبرزه للناس من أمر التكوين أو أمرِ التشريع ، أو الوعظ . وتقدّم قوله تعالى : { ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم } في سورة هود ( 110 ) .
فالكلمة هنا مراد بها : ما عَلمه الله من تأجيل حلول العذاب بهم ، فالله تعالى بحكمته أنظر قريشاً فلم يعجل لهم العذاب لأنه أراد أن ينشر الإسلام بمن يؤمن منهم وبذريّاتهم . وفي ذلك كرامة للنبيء محمد بتيسير أسباب بقاء شرعه وانتشاره لأنه الشريعة الخاتمة . وخصّ الله منهم بعذاب السيف والأسر من كانوا أشداء في التكذيب والإعراض حكمة منه تعالى ، كما قال : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام } [ الأنفال : 33 34 ] .
واللِزام بكسر اللام : مصدر لاَزَم : كالخصام ، استعمل مصدراً لفعل لَزِم الثاني لقصد المبالغة في قوة المعنى كأنه حاصل من عدة ناس . ويجوز أن يكون وزن فِعال بمعنى فاعل ، مثل لزاز في قول لبيد :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا *** ليوم كريهة وسِدادِ ثَغْر
أي : لكان الإهلاك الشديد لازماً لهم .
فانتصب لزاماً على أنه خبر ( كانَ ) ، واسمُها ضمير راجع إلى الإهلاك المستفاد من { كم أهلكنا } ( 128 ) ، أي لكان الإهلاك الذي أُهلك مثله مَن قبلهم من القرون ، وهو الاستيصال ، لازماً لهم .
{ وأجل مسمى } عطف على { كلمة } والتقدير : ولولا كلمة وأجلٌ مسمّى يقع عنده الهلاك لكان إهلاكهم لزاماً . والمراد بالأجل : ما سيُكشف لهم من حلول العذاب : إما في الدنيا بأن حل برجال منهم وهو عذاب البطشة الكبرى يومَ بدر ؛ وإما في الآخرة وهو ما سيحل بمن ماتوا كفّاراً منهم . وفي معناه قوله تعالى : { قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً } [ الفرقان : 77 ] .
ويظهر أنه شاع في عصر الصحابة تأويل اسم اللزام أنه عذاب توعد الله به مشركي قريش . وقيل : هو عذاب يوم بدر . ففي « صحيح البخاري » عن ابن مسعود قال : « خمس قد مضين : الدخان ، والقمرُ ، والرّومُ ، والبطشة ، واللِزام { فسوف يكون لزاماً .
يريد بذلك إبطال أن يكون اللِزام مترقباً في آخر الدنيا . وليس في القرآن ما يحوج إلى تأويل اللِزام بهذا كما علمت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.