اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامٗا وَأَجَلٞ مُّسَمّٗى} (129)

- ثم بيَّن تعالى الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلاً على من كفر بمحمد -عليه السلام{[27383]} .

فقال : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } ( وفيه تقديم وتأخير ){[27384]} ، والتقدير : ولولا كلمةٌ سبقت من ربك وأجل مسمى لكانَ لزاماً{[27385]} .

والكلمة في الحكم بتأخير العذاب عنهم أي : وَلَوْلاَ حكمٌ سبقت بتأخير العذاب عنهم " وَأَجَلٌ مًسَمًّى " هو القيامة ، ( وقيل : يَوْمَ بَدْر ){[27386]} {[27387]} . قوله : { وَأَجَلٌ مُسَمًّى } في رفعه وجهان :

أظهرهما{[27388]} : عطفه على " كَلِمَةٌ " ، أي : ولوْلاَ أجلٌ مُسَمًّى لكان العذاب لزاماً لهم{[27389]} .

والثاني : جوَّزه الزمخشري ، وهو أن يكون مرفوعاً عطفاً على الضمير المستتر ، والضمير عائد على الأخذ العاجل المدلول عليه بالسياق{[27390]} ، وقام الفصل{[27391]} بالخبر مقام التأكيد ، والتقدير : ولوْلاَ كلمة سبقت من ربك لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعادٍ وثمود ، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل{[27392]} ، فقد جعل اسم " كَانَ " عائداً على ما دلَّ عليه السياق ، إلا أنَّه قد يشكل عليه مسألة وهي أنه قد جوَّز في ( لزاماً ){[27393]} وجهين :

أحدهما{[27394]} : أن يكونَ مصدرَ ( لازم ){[27395]} كالخصام ، ولا إشكال على هذا{[27396]} .

والثاني : أن يكون وصفاً على ( فِعَال ){[27397]} بمعنى مُفْعِل أي : ملزم{[27398]} ، كأنه آلة اللزوم ، لفرط لزومه ، كما قالوا : لِزَازٌ{[27399]} خَصِمٌ{[27400]} ، وعلى هذا فيقال{[27401]} : كان{[27402]} ينبغي أن يطابق في التثنية ، فيقال : لزامين بخلاف كونه مصدراً فإنه يفرد على كل حال . وجوَّز أبو البقاء{[27403]} أن يكون " لِزَاماً " جمع " لاَزِم " كقيام جمع قائِم{[27404]} .

فصل

والمراد أن أمة محمد{[27405]} -عليه السلام{[27406]}- وإن كذَّبُوا فسيؤخرون ولا يفعل{[27407]} بهم ما فعل بغيرهم من الاستئصال ، وذلك لأنَّه عَلِم أن فيهم{[27408]} من يؤمن . وقيل : علم أنَّ في نسلِهِم من يؤمن ، ولو نزل بهم العذاب لعمهم الهلاك . وقيل : المصلحة فيه خفية لا يعلمها إلا الله تعالى{[27409]} .

وقال أهل السنة : له بحكم المالكية{[27410]} أن يخص مَنْ يشاء بفضله ومَن شاء{[27411]} بعذابه من غير علة ، إذ لو كان فعله لعلة{[27412]} لكانت تلك العلة إن كانت قديمة لزم قدوم{[27413]} الفعل ، وإن كانت حادثة افتقرت إلى علة أخرى ولزم التسلسل{[27414]} .


[27383]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[27384]:ما بين القوسين سقط من ب. وفيه: والكلمة هي الحد.
[27385]:في الأصل كررت الآية بدون تقدير التقديم والتأخير انظر الفخر الرازي 22/132 – 133.
[27386]:انظر الفخر الرازي 22/133.
[27387]:ما بين القوسين سقط من ب.
[27388]:في ب: الأول.
[27389]:فيكون فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجواب (لولا)، وهو كان واسمها وخبرها، لمراعاة الفواصل ورؤوس الآي. انظر الكشاف 2/451، البيان 2/155 ، التبيان 2/908، والبحر المحيط 6/289.
[27390]:في ب: بالحسبان. وهو تحريف. وهذا الضمير اسم (كان).
[27391]:في ب: الفعل. وهو تحريف، وفي الأصل: الفعل. ثم استدرك في الهامش (الفصل).
[27392]:أشار بهذا إلى أنه كان من حق العطف على الضمير المستتر أن يؤكد بالضمير المنفصل، فكان يقال: لكان هو لزاما وأجل مسمى، لكن الفصل بخبر كان قام مقام التأكيد بالضمير المنفصل، قال ابن مالك: وإن على ضمير رفع متصل *** عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما، فالفصل بالخبر هنا من قبيل قوله: أو فاصلي ما. انظر شرح الأشموني 3/113 – 114. قال الزمخشري: (أو على الضمير في (كان) أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كانا لازمين لعاد وثمود ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل) الكشاف 2/451.
[27393]:في الأصل: لزامه.
[27394]:في ب: الأول.
[27395]:في ب: مصدرا لازما.
[27396]:لأن المصدر يخبر به عن المثنى والجمع بلفظ المفرد. انظر الكشاف 2/451، والتبيان 2/908، البحر المحيط 6/289.
[27397]:في الأصل: فعلان. وهو تحريف.
[27398]:في ب: بمعنى يفعل أي يلزم. وهو تحريف.
[27399]:في ب: لزام. وهو تحريف.
[27400]:الّلزّ: لزوم الشيء بالشيء، ولزاز خصم أي: لازم. الكشاف 2/451، البحر المحيط 6/289.
[27401]:في الأصل فقال.
[27402]:في ب: لكان.
[27403]:أبو البقاء: سقط من ب.
[27404]:في ب: قاله أبو البقاء. التبيان 2/908. وبهذا يخرج من الإشكال الموجود في الوجه الثاني.
[27405]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/133.
[27406]:في ب: صلى الله عليه.
[27407]:في ب: ولم يفعل.
[27408]:أن: سقط من الأصل.
[27409]:تعالى: سقط من ب.
[27410]:في ب: الملائكة. وهو تحريف.
[27411]:في ب: يشاء.
[27412]:في ب: إذ لو كان بعلة.
[27413]:في ب: قدم.
[27414]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/133.