المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ} (99)

99- سيستمرون علي تكذيبهم ، حتى إذا حَلَّ موعد موت أحدهم ندم ، وقال : يا رب رُدَّني إلي الدنيا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ} (99)

يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت ، من الكافرين أو المفرطين في أمر الله تعالى ، وقيلهم عند ذلك ، وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا ، ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته ؛ ولهذا قال : { رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا } كما قال تعالى : { وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ المنافقون : 10 ، 11 ] ، وقال تعالى : { وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ } [ إبراهيم : 44 ] ، وقال تعالى : { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } [ الأعراف : 53 ] ، وقال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] ، وقال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 27 ، 28 ] ، وقال تعالى : { وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ } [ الشورى : 44 ] ، وقال تعالى : { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } [ غافر : 11 ، 12 ] ، وقال تعالى : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } [ فاطر : 37 ] ، فذكر تعالى أنهم يسألون الرجعة ، فلا يجابون ، عند الاحتضار ، ويوم النشور ووقت العرض على الجبار ، وحين يعرضون على النار ، وهم في غمرات عذاب الجحيم .

وقوله : هاهنا : { كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } : كلا حرف ردع وزجر ، أي : لا نجيبه إلى ما طلب ولا نقبل منه .

وقوله : { كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } : قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أي لا بد أن يقولها لا محالة كل محتضر ظالم .

ويحتمل أن يكون ذلك علة لقوله : " كلا " ، أي : لأنها كلمة ، أي : سؤاله الرجوع ليعمل صالحا هو كلام منه ، وقول لا عمل معه ، ولو رد لما عمل صالحا ، ولكان يكذب في مقالته هذه ، كما قال تعالى : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

وقال محمد بن كعب القرظي : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } قال : فيقول الجبار : { كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } .

وقال عمر بن عبد الله مولى غُفْرَة : إذا سمعت الله يقول : { كَلا } فإنما يقول : كذب{[20662]} .

وقال قتادة في قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ } : قال : كان العلاء بن زياد يقول : لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت ، فاستقال ربه فأقاله ، فليعمل بطاعة الله عز وجل .

وقال قتادة : والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة ، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله ، فانظروا أمنية الكافر المفرط فاعملوا بها ، ولا قوة إلا بالله . وعن محمد بن كعب القرظي نحوه .

وقال محمد بن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن يوسف ، حدثنا فضيل - يعني : ابن عياض - عن لَيْث ، عن طلحة بن مُصَرِّف ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : إذا وضع - يعني : الكافر - في قبره ، فيرى مقعده من النار . قال : فيقول : رب ، ارجعون أتوب وأعمل صالحا . قال : فيقال : قد عُمِّرت ما كنت مُعَمَّرا . قال : فيضيق عليه قبره ، قال : فهو كالمنهوش ، ينام ويفزع ، تهوي{[20663]} إليه هَوَامّ الأرض وحياتها وعقاربها .

وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثني سلمة بن تمام ، حدثنا علي بن زيد{[20664]} . عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، أنها قالت : ويل لأهل المعاصي من أهل القبور ! ! تدخل{[20665]} عليهم في قبورهم حيات سود - أو : دُهُم - حية عند رأسه ، وحية عند رجليه ، يقرصانه حتى يلتقيا{[20666]} في وسطه ، فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله تعالى : { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }

وقال أبو صالح وغيره في قوله تعالى : { وَمِنْ وَرَائِهِمْ } يعني : أمامهم .

وقال مجاهد : البرزخ : الحاجز ما بين الدنيا والآخرة .

وقال محمد بن كعب : البرزخ : ما بين الدنيا والآخرة . ليسوا{[20667]} مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون ، ولا مع أهل الآخرة يجازون بأعمالهم .

وقال أبو صخر : البرزخ : المقابر ، لا هم في الدنيا ، ولا هم في الآخرة ، فهم مقيمون إلى يوم يبعثون .

وفي قوله : { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ } : تهديد لهؤلاء المحتضرين من الظلمة بعذاب البرزخ ، كما قال : { مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ } [ الجاثية : 10 ] وقال { وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } [ إبراهيم : 17 ] .

وقوله : { إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي : يستمر به العذاب إلى يوم البعث ، كما جاء في الحديث : " فلا يزال معذبا فيها " {[20668]} ، أي : في الأرض .


[20662]:- في ف : "كذبت".
[20663]:- في ف ، أ : "ويهوي".
[20664]:- في أ : "يزيد".
[20665]:- في ف ، أ : "يدخل".
[20666]:- في ف : "تقرصانه حتى تلتقيا".
[20667]:- في ف ، أ : "ليس".
[20668]:- رواه الترمذي في السنن برقم (1071) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال : "حديث حسن غريب".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ} (99)

{ حتى إذا جاء أحدهم الموت } متعلق ب { يصفون } ، وما بينهما اعتراض لتأكيد الأعضاء بالاستعاذة بالله من الشيطان أن يزله عن الحلم ويغريه على الانتقام أو بقوله { إنهم لكاذبون } { قال } تحسرا على ما فرط فيه من الإيمان والطاعة لما اطلع على الأمر . { رب ارجعون } ردوني إلى الدنيا والواو لتعظيم المخاطب . وقيل لتكرير قوله ارجعني كما قيل في قفا وأطرقا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ} (99)

{ حتى } في هذا الموضع حرف ابتداء ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف ، والأول أبين لأن ما بعدها هو المعنيّ به المقصود ذكره{[8544]} ، والضمير في قوله { أحدهم } للكفار ، وقوله { ارجعون } معناه إلى الحياة الدنيا ، وجمع الضمير يتخرج على معنيين إما أن يخاطبه مخاطبة الجمع تعظيماً على نحو إخباره تعالى عن نفسه بنون الجماعة في غير موضع ، وإما أن تكون استغاثة بربه اولاً .

ثم خاطب ملائكة العذاب بقوله { ارجعون } ، وقال الضحاك هي من المشرك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ، لعائشة «إذا عاين المؤمن قالت الملائكة نرجعك فيقول إلى دار الهموم والأحزان بل قدماً إلى الله وأما الكافر فيقول { ارجعون لعلي أعمل صالحاً } »{[8544]} .


[8544]:نقل أبو حيان الأندلسي هذا الكلام عن ابن عطية، ثم علق عليه بقوله: "توهم ابن عطية أن (حتى) إذا كانت حرف ابتداء لا تكون غاية، وهي إذا كانت حرف ابتداء لا تفارقها الغاية، ولم يبين الكلام المحذوف، والذي يظهر لي أن قبلها جملة محذوفة تكون (حتى) غاية لها، يدل عليها ما قبلها، والتقدير: فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين ويحضرونهم، حتى إذا جاء أحدهم الموت، ونظير حذف هذه الجملة قول الشاعر: فيا عجبا حتى كليب تسبني أي: يسبني الناس حتى كليب، فدل ما بعد حتى على الجملة المحذوفة، وفي الآية دل ما قبلها عليها".