{ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ } حتى هي الابتدائية دخلت على الشرطية ، وهي مع ذلك غاية لما قبلها متعلقة بقوله لكاذبون . وقيل بيصفون والمراد بمجيء الموت علاماته ، أي رأس مقعده من النار ومقعده من الجنة لو آمن { قَالَ } أي ذلك الأحد الذي حضره الموت تحسرا وتحزنا على ما فرط منه .
{ رَبِّ ارْجِعُونِ } أي ردوني إلى الدنيا ، وإنما قال بضمير الجماعة لتعظيم المخاطب ، وقيل هو على معنى تكرير الفعل ، أي ارجعني ارجعني ارجعني ، قاله أبو البقاء ، ومثله قوله تعالى : { ألقيا في جهنم } قال المازني : معناه ألق ألق ، وهكذا قيل في قول امرئ القيس :
ومثله قول الحجاج : يا حرسي اضربا عنقه . وقول الآخر :
وقيل إنهم لما استغاثوا بالله قال قائلهم : رب ؛ ثم رجع إلى مخاطبة الملائكة فقال : ارجعون { لَعَلِّي أَعْمَلُ } عملا { صَالِحًا } في الدنيا إذا رجعت إليها من الإيمان وما يتبعه من أعمال الخير .
أخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : إذا أدخل الكافر في قبره فيرى مقعده من النار ، قال : { رَبِّ ارْجِعُونِ } أتوب وأعمل صالحا ، فيقال له قد عمّرت ما كنت معمرا ، فيضيق عليه قبره ، فهو فالمنهوش ينازع ويفزع ، تهوي إليه حيات الأرض وعقاربها .
وعن ابن جريج قال : زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : " إن المؤمن إذا عاين الملائكة ، قالوا : نرجعك إلى الدنيا ؟ فيقول : إلى دار الهموم والأحزان ؟ بل قدما إلى الله ، وأما الكافر فيقولون له : نرجعك ؟ فيقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحا ، وهو مرسل .
وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا حضر الإنسان الوفاة يجمع له كل شيء يمنعه عن الحق فيجعل بين عينيه ، فعند ذلك يقول رب ارجعون ) الآية .
وعن ابن عباس في قوله : { أَعْمَلُ صَالِحًا } قال : أقول لا إله إلا الله { فِيمَا تَرَكْتُ } أي في الموضع الذي ضيعت أو منعت ، وقيل خلفت من التركة وهو الدنيا لأنه ترك الدنيا وصار إلى العقبى . قال قتادة : ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله ، فرحم الله امرءا عمل فيما تمناه الكافر إذا رأى العذاب . ولما تمنى أن يرجع ليعمل ، رد الله عليه ذلك بقوله :
{ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } فجاء بكلمة الردع والزجر ، والضمير في { إنها } يرجع إلى قوله : { رب ارجعون } أي أن هذه الكلمة هو قائلها لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة والندم عليه ، وليس الأمر كما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا ؛ أو المعنى أنه لو أجيب إلى ذلك لما حصل منه الوفاء كما في قوله : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } وقيل إن الضمير في { هو } يرجع إلى الله ، أي لا خلف في خبره ، وقد أخبرنا بأنه لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.