قوله : { حَتَّى إِذَا } : في " حتى " هذه أوجهٌ ، أحدُها : أنها غايةٌ لقولِه : " بما يَصِفون " . والثاني : أنها غايةٌ ل " كاذبون " . وبَيَّنَ هذين الوجهين قولُ الزمخشري : " حتى تتعلق ب " يَصِفون " أي : لا يزالون على سوءِ الذكر إلى هذا الوقت ، والآيةُ فاصلةٌ بينهما على وجهِ الاعتراضِ والتأكيدٍ " . ثم قال : " أو على قولِه " وإنهم لكاذِبون " . قلت : قوله : أو على قولِه كذا " كلام محمولٌ على المعنى إذ التقدير " حتى " مُعَلَّقَةٌ على " يَصِفُون " أو على قوله : " لَكاذِبون " . وفي الجملة فعبارةٌ مُشْكلة .
الثالث : قال ابنُ عطية : " حتى " في هذه المواضع حرفُ ابتداءٍ . ويُحتمل أَنْ تكونَ غايةً مجردةً بتقديرِ كلامٍ محذوفٍ . والأولُ أَبْيَنُ ؛ لأنَّ ما بعدها هو المَعْنِيُّ به المقصودُ ذِكْرُه " . قال الشيخ : " فَتَوَهَّمَ ابنُ عطية أن " حتى " إذا كانت حرفَ ابتداءٍ لا تكونَ غايةً ، وهي وإنْ كانَتْ : حرفَ ابتداءٍ ، فالغايةُ معنًى لا يُفاريقها ، ولم يُبَيِّنْ الكلامَ المحذوفَ المقدَّرَ " . وقال أبو البقاء : " حتى " غايةٌ في معنى العطفِ " . وقال الشيخ : " والذي يَظْهر لي أن قبلها جملةً محذوفةً تكون " حتى " غايةً لها يَدُلُّ عليها ما قبلها . التقديرُ : فلا أكونُ كالكفارِ الذين تَهْمِزُهم الشياطينُ ويَحْضُرونهم ، حتى إذا جاء . ونظيرُ حَذْفِها قولُ الشاعر :
فيا عَجَبا حتى كُلَيْبٌ تَسُبُّني *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي : يَسُبُّني الناسُ كلُّهم حتى كُلَيْبٌ . إلاَّ أن في البيت دَلَّ ما بعدها عليها بخلافِ الآيةِ الكريمة .
قوله : { رَبِّ ارْجِعُونِ } في قوله " ارْجِعُون " بخطابِ الجمع ثلاثةُ أوجهٍ ، أجودُها : أنه على سبيلِ التعظيمِ كقولِ الشاعر :
فإنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النساءَ سِواكمُ *** وإن شِئْتِ لم أَطْعَمْ نُقاخاً ولا بَرْدا
ألا فارْحَمُوني يا إلَهَ محمدٍ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قد يُؤْخَذُ من هذا البيتِ ما يَرُدُّ على الشيخ جمال الدين بن مالك حيث قال : " إنه لم يَعْلَمْ أحداً أجاز للداعي يقول : يا رحيمون " . قال : " لئلاَّ يؤْهِمُ خلافَ التوحيِد " . وقد أخْبر تعالى عن نفسه بهذه الصيغةِ وشِبْهِها للتعظيمِ في غيرِ موضعٍ من كتابِه الكريم .
الثاني : أنه نادى ربَّه ، ثم خاطب ملائكةَ ربِّه بقوله : " ارْجِعُون " ويجوز على هذا الوجهِ أَنْ يكونَ على حَذْفِ مضافٍ أي : يا ملائكةً ربي ، فحذف المضافَ ثم التفت إليه عَوْدِ الضميرِ كقوله : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } ثم قال : { أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [ الأعراف : 4 ] التفاتاً ل " أهل " المحذوف .
الثالث : أنَّ ذلك يَدُلُّ على تكريرِ الفعل ، كأنه قال : ارْجِعُون ارْجِعون ارْجِعون . نقله أبو البقاء . وهو يُشْبِهُ ما قالوه في قوله : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ }
[ ق : 24 ] أنه بمعنى : أَلْقِ أَلْقِ ثُنِّي الفعلُ للدلالةِ على ذلك ، وأنشدوا قولَه :
قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حبيبٍ ومَنْزِلِ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.