قوله تعالى : { حتى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الموت } الآية في ( حَتَّى ) هذه أوجه :
أحدها : أنها غاية لقوله : «بِمَا يَصِفُونَ »{[33317]} .
والثاني : أنها غاية «لِكَاذِبُونَ »{[33318]} .
ويبين هذين الوجهين قول الزمخشري : «حَتَّى » يتعلق ب «يَصِفُونَ » أي : لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت ، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض والتأكيد . ثم قال : أو على قوله : «وإنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ »{[33319]} . قال شهاب الدين : قوله : ( أو على قوله كذا ) كلام محمول على المعنى ، إذ التقدير : «حَتَّى » معلقة على «يَصِفُونَ » أو على قوله : «لَكَاذِبُونَ » وفي الجملة فعبارته مشكلة{[33320]} .
الثالث : قال ابن عطية : «حَتَّى » في هذا الموضع{[33321]} حرف ابتداء ، ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف ، والأوَّل أبْيَن ، لأنّ ما بعدها هو المعنيّ به المقصود ( ذكره{[33322]} ){[33323]} .
قال أبو حيان : فتوهم ابن عطية أن «حَتَّى » إذا كانت حرف ابتداء لا تكون غاية ، وهي وإن كانت حرف ابتداء فالغاية معنى لا يفارقها ، ولم يبيّن الكلام المحذوف المقدر{[33324]} .
وقال أبو البقاء : ( حَتَّى ) غاية في معنى العطف{[33325]} . قال أبو حيّان : والذي يظهر لي{[33326]} أن قبلها جملة محذوفة تكون «حَتَّى » غاية لها يدل عليها ما قبلها ، التقدير : فلا أكون كالكفار الذين تهزمهم الشياطين ويحضرونهم حتى إذا جَاءَ ، ونظير حذفها قول الشاعر :
فَيَا عَجَبا حَتَّى كُليْبٌ تسُبُّني{[33327]} *** . . .
أي : يسبني الناس كُلهم حتى كليب إلاَّ أن في البيت دلّ ما بعدها عليها بخلاف الآية الكريمة{[33328]} .
قوله{[33329]} : { رَبِّ ارجعون } . في قوله : «ارْجِعُونِ » بخطاب الجمع ثلاثة أوجه :
أجودها : أنه على سبيل التعظيم{[33330]} كقوله :
فَإِنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ *** وَإِنْ شِئْتُ لَمْ أَطْعَمْ نُقَاخاً وَلاَ بَرْدَا{[33331]}
أَلاَ فَارْحَمُونِي يَا إلهَ مُحَمَّدٍ{[33332]} *** . . .
وقد يؤخذ من هذا البيت ما يرّد على ابن مالك حيث قال : إنه لم نعلم أحداً أجاز للداعي أن يقول : يَا رَحْيَمُون قال : لئّلا يُوهم خلاف التوحيد ، وقد أخبر تعالى عن نفسه بهذه الصفة وشبهها للتعظيم في مواضع من كتابه الكريم كقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }{[33333]} [ الحجر : 9 ] .
الثاني : أنه نادى ربه ثم خاطب ملائكة ربه بقوله : «ارْجِعُونِ »{[33334]} . ويجوز على هذا الوجه أن يكون على حذف مضاف ، أي : ملائكة ربي ، فحذف المضاف ثم التف إليه في عود الضمير كقوله{[33335]} : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا }{[33336]} [ الأعراف : 4 ] . ثم قال : { أَوْ هُمْ قَائِلُونَ }{[33337]} [ الأعراف : 4 ] التفاتاً ل «أهل » المحذوف .
الثالث : أنّ ذلك يدل على تكرير الفعل كأنه قال : ارْجعنِي ارجعنِي{[33338]} نقله أبو البقاء{[33339]} وهو يشبه ما قالوه في قوله : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ }{[33340]} [ ق : 24 ] أنه بمعنى : أَلْقِ أَلْقِ ثنّى الفعل للدلالة{[33341]} على ذلك ، وأنشدوا :
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِل{[33342]} *** . . .
اعلم أنّه تعالى أخبر أنَّ هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت فقال : { حتى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الموت ( قَالَ رَبِّ ارجعون } ){[33343]} ولم يقل : ارجعني ، وهو يسأل الله وحده الرجعة لما تقدّم في الإعراب{[33344]} . وقال الضحّاك{[33345]} : كنت جالساً عند ابن عباس فقال : مَنْ لَمْ يُزَكِّ ولم يَحُج سأل الرجعة عند الموت ، فقال رجل : إنما يسأل{[33346]} ذلك الكفار . فقال ابن عباس : أنا أقرأ عليك به قرآناً { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الموت فَيَقُولُ رَبِّ لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ }{[33347]} [ المنافقون : 10 ] .
وقال عليه السلام{[33348]} : «إذا حضر الإنسان الموت جمع كل شيء كان يمنعه من حقه بين يديه فعنده يقول : { رَبِّ ارجعون لعلي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ{[33349]} } {[33350]} .
واختلفوا في وقت مسألة الرجعة ، فالأكثرون على أنه يسأل حال المعاينة وقيل : بل عند معاينة النار في الآخرة ، وهذا القائل إنَّما ترك ظاهر هذه الآية لمَّا أخبر الله - تعالى - عن أهل النار في الآخرة أنهم يسألون الرجعة {[33351]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.