محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ} (99)

{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ { 99 }

{ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت } أي حتى إذا احتضر وشاهد أمارات العذاب ، وعاين وحشة هيئات السيئات ، تمنى الرجوع ، وأظهر الندامة ، ونذر العمل الصالح في الإيمان الذي ترك . وقوله تعالى : { كلا إنها كلمة } يعني قوله { رب ارجعون } الخ { هو قائلها } أي لا يجاب إليها ولا تسمع منه ، يعني أنه لم يحصل إلا على الحسرة والندامة ، والتلفظ بألفاظ التحسر والندم ، والدعوة دون المنفعة والفائدة والإجابة . والآية نظيرها قوله تعالى [ 63/المنافقون/10 ] { وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين } { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } أي حائل يحول بينهم وبين الرجعة ، يلبثون فيه إلى يوم القيامة .

لطيفة :

الواو في { ارجعون } قيل لتعظيم المخاطب وهو الله تعالى ، ورده ابن مالك بأنه لا يعرف أحد يقول ( رب ارحموني ، ونحوه ) لما فيه من إيهام التعدد بأنه لا يلزم من عدم صدوره عنا كذلك ، ألا يطلقه الله تعالى على نفسه . كما في ضمير المتكلم . وقيل إنه لتكرير قوله ( ارجعني ) كما قيل في ( قفا ) و ( أطرقا ) إن أصله ( قف قف ) على التأكيد ، وبه فسر قوله تعالى ( 2 ) {[1]} : { ألقيا في جهنم } قال الشهاب : فيكون من باب استعارة لفظ مكان المرفوع المستتر في ( كفى به ) حتى لزم انتقاله عن صفة إلى صفة أخرى ، ومن لفظ إلى آخر . وما نحن فيه من هذا القبيل . فإنه غير الضميران المستتران إلى ضمير مثنى ظاهر . فلزم الاكتفاء بأحد لفظي الفعل ، وجعل دلالة الضمير على المثنى على تكرير الفعل ، قائما في التأكيد ، من غير تجوز فيه ولابن جني في ( الخصائص ) كلام يدل على ما ذكرناه . انتهى .


[1]:(4 النساء 15 و 16).