يقول تعالى : ولو عاينت يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار ، لرأيت أمرا عظيما هائلا فظيعا منكرا ؛ إذ يضربون وجوههم وأدبارهم ، ويقولون لهم : { ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ }
قال ابن جريج ، عن مجاهد : { وأدبارهم } استاههم ، قال : يوم بدر .
قال ابن جُرَيْج ، قال ابن عباس : إذا أقبل المشركون{[13078]} بوجوههم إلى المسلمين ، ضربوا وجوههم بالسيوف ، وإذا ولوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم .
قال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد قوله : { إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } يوم بدر .
وقال وَكِيع ، عن سفيان الثوري ، عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير ، عن مجاهد ، عن شعبة ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جُبَيْر : { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } قال : وأستاههم{[13079]} ولكن الله يَكْنِي .
وكذا قال عمر مولى غُفْرة{[13080]}
وعن الحسن البصري قال : قال رجل : يا رسول الله ، إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك{[13081]} قال ما ذاك ؟ قال : " ضرب الملائكة{[13082]} " .
رواه ابن جرير{[13083]} وهو مرسل .
وهذا السياق - وإن كان سببه وقعة بدر - ولكنه عام في حق كل كافر ؛ ولهذا لم يخصصه تعالى بأهل بدر ، بل قال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } وفي سورة القتال مثلها{[13084]} وتقدم في سورة الأنعام [ عند ]{[13085]} قوله : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ } [ الأنعام : 93 ]أي : باسطو أيديهم بالضرب فيهم ، يأمرونهم إذ استصعبت أنفسهم ، وامتنعت من الخروج من الأجساد أن تخرج قهرًا . وذلك إذ بشروهم بالعذاب والغضب من الله ، كما [ جاء ]{[13086]} في حديث البراء : إن ملك الموت - إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة - يقول : اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سَمُوم وحميم ، وظل من يحموم ، فتتفرق في بدنه ، فيستخرجونها من جسده ، كما يخرج السفود من الصوف المبلول فتخرج معها العروق والعصب ؛ ولهذا أخبر{[13087]} تعالى أن الملائكة تقول لهم : { وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ }
{ ولو ترى } ولو رأيت فإن لو تجعل المضارع ماضيا عكس إن . { إذ يتوفّى الذين كفروا والملائكة } ببدر ، وإذ ظرف ترى والمفعول محذوف أي ولو ترى الكفرة أو حالهم حينئذ ، والملائكة فاعل يتوفى ويدل عليه قراءة ابن عامر بالتاء ويجوز أن يكون الفاعل ضمير الله عز وجل وهو مبتدأ خبره { يضربون وجوههم } والجملة حال من الذين كفروا ، واستغني فيه بالضمير عن الواو وهو على الأول حال منهم أو من الملائكة أو منهما لاشتماله على الضميرين . { وأدبارهم } ظهورهم أو أستاههم ، ولعل المراد تعميم الضرب أي يضربون ما أقبل منهم وما أدبر . { وذوقوا عذاب الحريق } عطف على يضربون بإضمار القول أي ويقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب الآخرة . وقيل كانت معهم مقامع من حديد كلما ضربوا التهبت النار منها ، وجواب { لو } محذوف لتقطيع الأمر وتهويله .
هذه الآية تتضمن التعجيب مما حل بالكفار يوم بدر ، قاله مجاهد وغيره ، وفي ذلك وعيد لمن بقي منهم ، وحذف جواب ، { لو } إبهام بليغ ، وقرأ جمهور السبعة والناس «يتوفى » بالياء فعل فيه علامة التذكير إلى مؤنث في اللفظ ، وساغ ذلك أن التأنيث غير حقيقي ، وارتفعت { الملائكة } ب { يتوفى } ، وقال بعض من قرأ هذه القراءة إن المعنى إذ يتوفى الله الذين كفروا و { الملائكة } رفع بالابتداء ، و { يضربون } خبره والجملة في موضع الحال .
قال القاضي أبو محمد : ويضعف هذا التأويل سقوط واو الحال فإنها في الإغلب تلزم مثل هذا{[5411]} ، وقرأ ابن عامر من السبعة والأعرج «تتوفى » بالتاء على الإسناد إلى لفظ «الملائكة » ، و { يضربون } في موضع الحال ، وقوله { وأدبارهم } قال جمهور المفسرين يريد أستاههم ، ولكن الله كريم كنى ، وقال ابن عباس أراد ظهورهم وما أدبر منهم ، ومعنى هذا أن الملائكة كانت تلحقهم في حال الإدبار فتضرب أدبارهم ، فأما في حال الإقبال فبين تمكن ضرب الوجوه ، وروى الحسن أن رجلاً قال : يا رسول الله رأيت في ظهر أبي جهل مثل الشراك{[5412]} ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذلك ضرب الملائكة » ، وعبر بجمع الملائكة ، وملك الموت واحد إذ له على ذلك أعوان من الملائكة ، وقوله { وذوقوا عذاب الحريق } قيل كانوا يقولون للكفار حينئذ هذا اللفظ فحذف يقولون اختصار ، وقيل معناه وحالهم يوم القيامة أن يقال لهم هذا ، و { الحريق } فعيل من الحرق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.