المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (35)

35- واذكر - أيها النبي - حال امرأة عمران إذ نذرت وقت حملها تقديم ما تحمله خالصاً لعبادة الله وخدمة بيته ، قائلة : يا رب ، إني نذرت ما في بطني خالصاً لخدمة بيتك فاقبل منى ذلك ، إنك السميع لكل قول ، العليم بكل حال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (35)

امرأة عمران هذه أم مريم [ بنت عمران ]{[4951]} عليها السلام{[4952]} وهي حَنَّة بنت فاقوذ ، قال محمد بن إسحاق : وكانت امرأة لا تحمل ، فرأت يوما طائرًا يَزُقُّ فرخه ، فاشتهت الولد ، فدعت الله ، عز وجل ، أن يهبها ولدا ، فاستجاب الله دعاءها ، فواقعها زوجها ، فحملت منه ، فلما تحققت الحمل نذرته أن يكون { مُحَرَّرًا } أي : خالصا مفرغا للعبادة ، ولخدمة بيت المقدس ، فقالت : { رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } أي : السميع لدعائي ، العليم بِنيتي ، ولم تكن تعلم ما في بطنها أذكرا أم أنثى ؟


[4951]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[4952]:في و: "سم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (35)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّراً فَتَقَبّلْ مِنّي إِنّكَ أَنتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ }

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { إذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا فَتَقَبّلْ مِنّي } ف«إذْ » من صلة «سميع » . وأما امرأة عمران ، فهي أمّ مريم ابنة عمران أم عيسى ابن مريم صلوات الله عليه ، وكان اسمها فيما ذكر لنا حنة ابنة فاقوذ بن قتيل . كذلك :

حدثنا به محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في نسبه . وقال غير ابن حميد : ابنة فاقود بالدال ابن قتيل .

فأما زوجها فإنه عمران بن ياشهم بن آمنون بن منشا بن حزقيا بن أحريق بن يويم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش بن احريهو بن يازم بن يهفاشاط بن اشابرابان بن رحبعم بن سليمان بن داود بن إيشا . كذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، في نسبه .

وأما قوله : { رَبّ إنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطنِي مُحَرّرا } فإن معناه : إني جعلت لك يا ربّ نذرا أن لك الذي في بطني محرّرا لعبادتك ، يعني بذلك : حبسته على خدمتك وخدمة قدسك في الكنيسة ، عتيقة من خدمة كل شيء سواك ، مفرغة لك خاصة . ونصب «محرّرا » على الحال من «ما » التي بمعنى «الذي » . { فَتَقَبّلْ مِنّي } أي فتقبل مني ما نذرت لك يا ربّ . { إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ العّلِيمُ } يعني : إنك أنت يا ربّ السميع لما أقول وأدعو ، العليم لما أنوي في نفسي وأريد ، لا يخفى عليك سرّ أمري وعلانيته . وكان سبب نذر حنة ابنة فاقوذ امرأة عمران الذي ذكره الله في هذه الاَية فيما بلغنا ، ما :

حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، قال : تزوّج زكريا وعمران أختين ، فكانت أمّ يحيى عند زكريا ، وكانت أمّ مريم عند عمران ، فهلك عمران وأمّ مريم حامل بمريم ، فهي جنين في بطنها . قال : وكانت فيما يزعمون قد أمسك عنها الولد حتى أسنّت ، وكانوا أهل بيت من الله جل ثناؤه بمكان . فبينا هي في ظلّ شجرة نظرت إلى طائر يطعم فرخا له ، فتحرّكت نفسها للولد ، فدعت الله أن يهب لها ولدا ، فحملت بمريم وهلك عمران . فلما عرفت أن في بطنها جنينا ، جعلته لله نذيرة¹ والنذيرة أن تعبّده لله ، فتجعله حبسا في الكنيسة ، لا ينتفع به بشيء من أمور الدنيا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : ثم ذكر امرأة عمران ، وقولها : { رَبّ إنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } أي نذرته ، تقول : جعلتُه عتيقا لعبادة الله لا ينتفع به بشيء من أمور الدنيا . { فَتَقَبّلْ مِنّي إنكَ أنتَ السّمِيعُ العَلِيمُ } .

حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطّفاوي ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، قال : حدثنا النضر بن عربي ، عن مجاهد في قوله : { مُحَرّرا } قال : خادما للبِيعة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد ، قال : خادما للكنيسة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا إسماعيل ، عن الشعبي في قوله : { إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } قال : فرّغته للعبادة .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي في قوله : { إنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } قال : جعلته في الكنيسة ، وفرّغته للعبادة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، نحوه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } قال : للكنيسة يخدمها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد : { إنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } قال : خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : { إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } قال : للبيعة والكنيسة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : { إنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } قال : محرّرا للعبادة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { إذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبّ إنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } . . . الاَية . كانت امرأة عمران حرّرت لله ما في بطنها ، وكانوا إنما يحررون الذكور ، وكان المحرر إذا حرّر جعل في الكنيسة لا يبرحها ، يقوم عليها ويكنسها .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } قال : نذرت ولدها للكنيسة .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { إذْ قَالَتِ امْرأةُ عِمْرَانَ رَبّ إنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا فَتَقَبّلْ مِنّي إنّكَ أنْتَ السّمِيعُ العَلِيمُ } قال : وذلك أن امرأة عمران حملت ، فظنت أن ما في بطنها غلام ، فوهبته لله لا يعمل في الدنيا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : كانت امرأة عمران حرّرت لله ما في بطنها . قال : وكانوا إنما يحرّرون الذكور ، فكان المحرّر إذا حرر جعل في الكنيسة لا يبرحها ، يقوم عليها ويكنسها .

حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك في قوله : { إنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } قال : جعلت ولدها لله وللذين يدرسون الكتاب ويتعلمونه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن القاسم بن أبي بزة أنه أخبره عن عكرمة وأبي بكر ، عن عكرمة : أن امرأة عمران كانت عجوزا عاقرا تسمى حنة ، وكانت لا تلد . فجعلت تغبط النساء لأولادهن ، فقالت : اللهمّ إن علي نذرا شكرا إن رزقتني ولدا أن أتصدّق به على بيت المقدس ، فيكون من سَدَنته وخدامه . قال : وقوله : { نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } إنها للحرّة ابنة الحرائر محرّرا للكنيسة يخدمها .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : { إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ } . . . الاَية كلها ، قال : نذرت ما في بطنها ثم سَيّبَتْها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (35)

تقدم القول في موقع إذ في أمثال هذا المقام عند تفسير قوله تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة إنيّ جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] . وموقعها هنا أظهر في أنها غير متعلقة بعامل ، فهي لمجرد الاهتمام بالخبر ولذا قال أبو عبيدة : إذ هنا زائدة ، ويجوز أن تتعلق باذكر محذوفاً ، ولا يجوز تعلقها باصطفى : لأنّ هذا خاص بفضل آل عمران ، ولا علاقة له بفضل آدم ونوح وآل إبراهيم .

وامرأة عمران هي حَنَّة بنت فاقوذا . قيل : مات زوجها وتركها حبلى فنذرت حَبَلَها ذلك محرّراً أي مخلَّصاً لخدمة بيت المقدس ، وكانوا ينذرون ذلك إذا كان المولود ذكراً . وإطلاق المحرّر على هذا المعنى إطلاق تشريف لأنّه لما خلص لخدمة بيت المقدس فكأنّه حُرر من أسر الدنيا وقيودها إلى حرية عبادة الله تعالى . قيل : إنّها كانت تظنّه ذكراً فصدر منها النذر مطلقاً عن وصف الذكورة وإنّما كانوا يقولون : إذا جاء ذكراً فهو محرّر .