محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (35)

( إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم )

35

( إذ قالت امرأت عمران ) في حيز النصب على المفعولية ، بفعل مقدر على طريقة الاستئناف لتقرير اصطفاء آل عمران ، وبيان كيفيته . أي اذكر لهم وقت قولها الخ . وامرأة عمران هذه هي أم مريم عليها السلام .

فائدة :

قال العلامة النووي في ( غيث النفع ) : ( امرأت عمران ) رسمت بالتاء ، وكل ما في كتاب الله جل ذكره من لفظ ( امرأة ) فبالهاء . إلا سبعة مواضع ، هذا الأول ، والثاني والثالث بيوسف ( امرأت العزيز تراود ) ( امرأت العزيز الآن ) والرابع بالقصص ( امرأت / فرعون ) ، الخامس والسادس والسابع بالتحريم ( امرأت نوح وامرأت لوط وامرأت فرعون ) فلو وقف عليها ، فالمكي والنحويان يقفون بالهاء ، والباقون بالتاء-انتهى .

( رب إني نذرت لك ما في بطني محررا ) أي مخلصا للعبادة ( عن الشعبي ) أو خادما يخدم في متعبداتك . حرره جعله نذيرا في خدمة المعبد ما عاش ، لا يسعه تركه في دينه ( عن الزجاح ) . وفي الآية دلالة على صحة نذر الأم بولدها ، وأن للأم الانتفاع بالولد الصغير لمنافع نفسها ، لذلك جعلته للغير . والمعنى : نذرته وقفا على طاعتك ، لا أشغله بشيء من أموري . قال أبو منصور في ( التأويلات ) : ( جعلت ما في بطنها لله خالصا لم تطلب منه / الاستئناس به ولا ما يطمع الناس من أولادهم ، وذلك من الصفوة التي ذكر عز وجل . وهكذا الواجب على كل أحد إذا طلب ولدا أن يطلب للوجه الذي طلبت امرأة عمران وزكريا حيث قال : ( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ) وما سأل إبراهيم ( رب هب لي من الصالحين ) وكقوله : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) هكذا الواجب أن يطلب الولد ، لا ما يطلبون من الاستئناس والاستنصار والاستعانة بأمر المعاش بهم-انتهى- .

( فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ) أي تقبل مني قرباني وما جعلت لك خالصا ، والتقبل أخذ الشيء على وجه الرضا .