ثم أخبر تعالى بزوالها وفنائها ، وفراغها وانقضائها ، وذهابها وخرابها ، فقال : { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا } أي : وإنا لمصيروها بعد الزينة إلى الخراب والدمار ، فنجعل كل شيء عليها هالكًا { صَعِيدًا جُرُزًا } : لا يُنْبِت ولا ينتفع به ، كما قال العوفي ، عن ابن عباس في قوله تعالى { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا } يقول : يهلك كل شيء عليها ويبيد . وقال مجاهد : { صَعِيدًا جُرُزًا } بلقعًا .
وقال قتادة : الصعيد : الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات .
وقال ابن زيد : الصعيد : الأرض التي ليس فيها شيء ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ } [ السجدة : 27 ]{[17979]} .
وقال محمد بن إسحاق : { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا } يعني الأرض ، إن ما عليها لفان وبائد ، وإن المرجع لإلى الله{[17980]} فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى .
وقوله : وَإنّا لَجاعلُونَ ما عَلَيْها صَعِيدا جُرزا يقول عزّ ذكره : وإنما لمخرّبوها بعد عمارتناها بما جعلنا عليها من الزينة ، فمصيروها صعيدا جرزا لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس . وقد قيل : إنه أريد بالصعيد في هذا الموضع : المستوي بوجه الأرض ، وذلك هو شبيه بمعنى قولنا في ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، وبمعنى الجرز ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وإنّا لَجَاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيدا جُرُزا يقول : يهلك كلّ شيء عليها ويبيد .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد صَعِيدا جُرُزا قال : بلقعا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإنّا لَجاعلُونَ ما عَلَيْها صَعيدا جُرُزا والصعيد : الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سَلَمة ، عن ابن إسحاق وَإنّا لَجَاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيدا جُرُزا يعني : الأرض إن ما عليها لفانٍ وبائد ، وإن المرجع لإليّ ، فلا تأس ، ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : صَعِيدا جُزُرا قال : الجزر : الأرض التي ليس فيها شيء ، ألا ترى أنه يقول : أوَ لَمْ يَرَوْا أنّا نَسُوقُ الماءَ إلى الأرْضِ الجُرُزِ فنُخْرِجُ بِهِ زَرْعا قال : والجرز : لا شيء فيها ، لا نبات ولا منفعة . والصعيد : المستوي . وقرأ : لاَ تَرَى فِيها عِوَجا وَلا أمْتا قال : مستوية : يقال : جُرِزت الأرض فهي مجروزة ، وجرزها الجراد والنعم ، وأرَضُون أَجْراز : إذا كانت لا شيء فيها . ويقال للسنة المجدبة : جُرُز وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلّة أمطارها قال الراجز :
*** قَدْ جَرَفَتْهُنّ السّنُونُ الأجْرَازْ ***
يقال : أجرز القوم : إذا صارت أرضهم جُرُزا ، وجَرَزوا هم أرضهم : إذا أكلوا نباتها كله .
وقوله { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً } ، أي يرجع كل ذلك تراباً غير متزين بنبات ونحو ، و «الجرز » الأرض التي لا شيء فيها من عمارة وزينة ، فهي البلقع ، وهذه حالة الأرض العامرة الخالية بالدين لا بد لها من هذا في الدنيا جزءاً جزءاً من الأرض ثم يعمها ذلك بأجمعها عند القيامة ، يقال : جرزت الأرض بقحط أو جراد أو نحوه إذا ذهب نباتها وبقيت لا شيء فيها ولا نفع ، وأرضون أجراز ، قال الزجاج : والجرز الأرض التي لا تنبت .
قال القاضي أبو محمد : وإنما ينبغي أن يقول : التي لم تنبت ، و «الصعيد » وجه الأرض وقيل «الصعيد » التراب خاصة ، وقيل «الصعيد » الأرض الطيبة وقيل ، «الصعيد » الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة .
قوله : { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً } تكميل للعبرة وتحقيق لفناء العالم . فقوله : { جاعلون } اسم فاعل مراد به المستقبل ، أي سنجعل ما على الأرض كله معدوماً فلا يكون على الأرض إلا تراب جاف أجرد لا يصلح للحياة فوقه وذلك هو فناء العالم ، قال تعالى : { يوم تبدل الأرض غير الأرض } [ إبراهيم : 48 ] .
والصعيد : التراب . والجُرز : القاحل الأجرد . وسيأتي بيان معنى الصعيد عند قوله : { فتصبح صعيداً زلقا } في هذه السورة ( 40 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.