{ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ } فيما سيأتي عند تناهي عمر الدنيا { مَا عَلَيْهَا } مما جعلناه زينة ، والإظهار في مقام الإضمار لزيادة التقرير ، وجوز غير واحد أن يكون هذا أعم مما جعل زينة ولذا لم يؤت بالضمير ، والجعل هنا بمعنى التصيير أي مصيرون ذلك { صَعِيداً } أي تراباً { جُرُزاً } أي لا نبات فيه قاله قتادة ، وقال الراغب : الصعيد وجه الأرض ، وقال أبو عبيدة هو المستوى من الأرض وروي ذلك عن السدى . وقال الزجاج : هو الطريق الذي لا نبات فيه ، وأخرج ابن أبي حاتم أن الجرز الخراب ، والظاهر أنه ليس معنى حقيقياً والمعنى الحقيقى ما ذكرناه ، وقد ذكره غير واحد من أئمة اللغة ، وفي البحر يقال جرزت الأرض فهي محروزة إذا ذهب نباتها بقحط أو جراد وأرضون أجراز لإنبات فيها ويقال سنة جرز وسنون أجراز لا مطر فيها وجرز الأرض الجراد والشاة والإبل إذا أكلت ما عليها ورجل جروز أكول أو سريع الأكل وكذا الأنثى قال الشاعر :
أن العجوز خبة جروزا*** تأكل كل ليلة قفيزاً
وفي القاموس أرض جرز( {[584]} ) وجرز وجرز وجرز لا تنبت أو أكل نباتها أو لم يصبها مطر وفي المثل لا ترضى شانئة إلا بجرزة أي بالاستئصال ، والمراد تصيير ما على الأرض تراباً ساذجاً بعدما كان يتعجب من بهجته النظار وتستلذ بمشاهدته الأبصار ، وظاهر الآية تصيير ما عليها بجميع أجزائه كذلك وذلك إنما يكون بقلب سائر عناصر المواليد إلى عنصر التراب ولا استحالة فيه لوقوع انقلاب بعض العناصر إلى بعض اليوم ، وقد يقال إن هذا جار على العرف فإن الناس يقولون صار فلان تراباً إذا اضمحل جسده ولم يبق منه أثر الا التراب .
وحديث انقلاب العناصر مما لا يكاد يخطر لهم ببال وكذا زعم محققي الفلاسفة بقاء صور العناصر في المواليد ويوشك أن يكون تركب المواليد من العناصر أيضاً كذلك وهذا الحديث لا تكاد تسمعه عن السلف الصالح والله تعالى أعلم ، ووجه ربط هاتين الآيتين بما قبلهما على ما قاله بعض المحققين أن قوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا } [ الكهف : 7 ] الخ تعليل لما في لعل من معنى الاشفاق وقوله سبحانه { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ } الخ تكميل للتعليل ، وحاصل المعنى لا تحزن بما عاينت من القوم من تكذيب ما أنزلنا عليك من الكتاب فانا قد جعلنا على الأرض من فنون الأشياء زينة لها لنختبر أعمالهم فنجازيهم بحسبها وإنا لمفنون ذلك عن قريب ومجازون بحسب الأعمال وفي معنى ذلك ما قيل إنه تسكين له عليه الصلاة والسلام كأنه قيل : لا تحزن فانا ننتقم لك منهم وظاهر كلام بعضهم جعل ما يفهم من أول السورة تعليلاً للإشفاق حيث قال المعنى لا يعظم حزنك بسبب كفرهم فانا بعثناك منذراً ومبشراً وإما تحصيل الإيمان في قلوبهم فلا قدرة لك عليه قيل ولا يضر جعل ما ذكر تعليلا لذلك أيضاً لأن العلل غير حقيقية ، وقيل : في وجه الربط ان ما تقدم تضمن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الحزن وهذا تضمن ارشاده إلى التخلق ببعض اخلاقه تعالى كأنه قيل إني خلقت الأرض وزينتها ابتلاء للخلق بالتكاليف ثم إنهم يتمردون ويكفرون ومع ذلك لا أقطع عنهم نعمي فأنت أيضاً يا محمد لا تترك الاشتغال بدعوتهم بعد أن لا تأسف عليهم ، والجملة الثانية لمجرد التزهيد في الميل إلى زينة الأرض ولا يخفي عليك بعد هذا الربط بل لا يكاَد ينساق الذهن إليه فتأمل .
( هذا ومن باب الإشارة ) :{ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } [ الكهف : 8 ] كناية عن ظهور فناء ذلك بظهور الوجود الحقاني والقيامة الكبرى
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.