المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ} (25)

25- والله - وحده - الذي يقبل التوبة من أهل طاعته بالتجاوز عما تابوا منه ، ويصفح - تفضلاً ورحمة - عن السيئات دون الشرك ، ويعلم ما تفعلون من خير أو شر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ} (25)

يقول تعالى ممتنا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه : أنه من كرمه وحلمه أنه يعفو ويصفح ويستر ويغفر ، كقوله : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [ النساء : 110 ] وقد ثبت في صحيح مسلم ، رحمه الله ، حيث قال :

حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب قال{[25863]} حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا إسحاق بن أبي طلحة ، حدثني أنس بن مالك - وهو عمه {[25864]} - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه ، من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه ، وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك - أخطأ من شدة الفرح " {[25865]} .

وقد ثبت أيضا في الصحيح من رواية عبد الله بن مسعود نحوه{[25866]} {[25867]} .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري في قوله : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } : إن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته{[25868]} في المكان الذي يخاف أن يقتله العطش فيه " {[25869]} .

وقال همام بن الحارث : سئل ابن مسعود عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها ؟ قال : لا بأس به ، وقرأ : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } الآية رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم من حديث شريك القاضي ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم النخعي ، عن همام فذكره {[25870]} .

وقوله : { وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } أي : يقبل التوبة في المستقبل ويعفو عن السيئات في الماضي ، { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } أي : هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم ، ومع هذا يتوب على من تاب إليه .


[25863]:- (1) في أ: "قالا".
[25864]:- (2) في ت: "عمه رضي الله عنه".
[25865]:- (3) صحيح مسلم برقم (2747).
[25866]:- (4) في ت: "مثله".
[25867]:- (5) صحيح مسلم برقم (2744).
[25868]:- (6) في ت: "راحلته".
[25869]:- (7) تفسير عبد الرزاق (2/156) وقد روى متصلا، فرواه مسلم في صحيحه برقم (2675) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام ابن منبه عن أبي هريرة به.
[25870]:- (8) تفسير الطبري (25/18).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ} (25)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السّيّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : والله الذي يقبل مراجعة العبد إذا رجع إلى توحيد الله وطاعته من بعد كفره وَيَعْفُوا عَنِ السّيّئاتِ يقول : ويعفو أن يعاقبه على سيئاته من الأعمال ، وهي معاصيه التي تاب منها وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة «يَفْعَلُونَ » بالياء ، بمعنى : ويعلم ما يفعل عباده ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة تَفْعَلُونَ بالتاء على وجه الخطاب .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قَرَأة الأمصار متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، غير أن الياء أعجب إليّ ، لأن الكلام من قبل ذلك جرى على الخبر ، وذلك قوله : وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ويعني جلّ ثناؤه بقوله : وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ويعلم ربكم أيها الناس ما تفعلون من خير وشرّ ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، وهو مجازيكم على كل ذلك جزاءه ، فاتقوا الله في أنفسكم ، واحذروا أن تركبوا ما تستحقون به منه العقوبة .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق بن يوسف ، عن شريك عن إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم النخعي ، عن همام بن الحارث ، قال : أتينا عبد الله نسأله عن هذه الاَية : وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السّيّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ قال : فوجدنا عنده أناسا أو رجالاً يسألونه عن رجل أصاب من امرأة حراما ، ثم تزوّجها ، فتلا هذه الاَية وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ، وَيَعْفُو عَنِ السّيّئاتِ ، وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ} (25)

ثم ذكر النعمة في تفضله بقبول التوبة عن عباده ، وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمنه وأعماله مقطوع به بهذه الآية ، وأما ما سلف من أعماله فينقسم : فأما التوبة من الكفر فماحية كل ما تقدمها من مظالم العباد الفانية ، وأما التوبة من المعاصي فلأهل السنة قولان ، هل تذهب المعاصي السالفة للعبد بينه وبين خالقه ؟ فقالت فرقة : هي مذهبة لها ، وقالت فرقة : هي في مشيئة الله تعالى ، وأجمعوا على أنها لا تذهب مظالم العباد .

وحقيقة التوبة : الإقلاع عن المعاصي والإقبال والرجوع إلى الطاعات ، ويلزمها الندم على ما فات ، والعزم على ملازمة الخيرات . وقال سري السقطي : والتوبة : العزم على ترك الذنوب ، والإقبال بالقلب إلى علام الغيوب . وقال يحيى بن معاذ : التائب من كسر شبابه على رأسه وكسر الدنيا على رأس الشيطان ولزم الفطام حتى أتاه الحمام .

وقوله تعالى : { عن عباده } بمعنى : من عباده ، وكأنه قال : التوبة الصادرة عن عباده .

وقرأ جمهور القراء والأعرج وأبو جعفر والجحدري وقتادة : «يفعلون » بالياء على الكناية عن غائب . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وابن مسعود وعلقمة : «تفعلون » بالتاء على المخاطبة ، وفي الآية توعد .