الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ} (25)

{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } وأختلفت عبارات العلماء في حقيقة التوبة وشرائطها .

أخبرنا الإمام أبو القاسم الحسن بن محمّد بن حبيب بقراءته عليّ . في شهور سنة ثمان وثمانين وثلثمائة ، حدثنا محمّد بن سليمان بن منصور ، حدثنا محمّد مسكان بن جبلة بسّاوة . أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي داود عن إبراهيم بن طهمّان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، قال : دخل إعرابي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اللَّهمّ إنّي استغفرك وأتوب إليك ، سريعاً وكبّر ، فلما فرغ من صلاته قال له علي : يا هذا إنّ سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذّابين ، وتوبتك تحتاج إلى توبة ، قال : يا أمير المؤمنين وما التوبة ؟ قال : اسم يقع على ستة معاني : على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضييع الفرائض الإعادة ، وردّ المظالم ، وإذابة النفس في الطاعة كما أذبتها في المعصية ، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كُلّ ضحك ضحكته .

وسمعت الحسن بن محمّد بن الحسن ، يقول : سمعت إبراهيم بن يزيد ، يقول : سمعت حسن بن محمّد الترمذي يقول : قيل لأبي بكر محمّد بن مر الوراق : متى يكون الرجل تائباً ؟ فقال : إذا رجع إلى الله فراقبه واستحياهُ وخاف نقمته فيما عصاه ، وألتجاء إلى رحمته فرجاه ، وذكر حلمه في ستره فأبكاه ، وندم على مكروه أتاه ، وشكر ربّه على ما أتاه ، وفهم عن الله وعظه فوعاه ، وحفظ عهده فيما أوصاه .

وسمعت الحسن بن محمّد بن حبيب ، يقول : سمعت أبا منصور محمّد بن محمّد بن سمعان المذكر ، يقول : سمعت أبا بكر بن الشاه الصوفي الفارسي ، يقول : سئل الحرب بن أسد المحاسبي : من التائب ؟ فقال : من رأى نفسه من الذنوب معصوماً ، وللخيرات موفقاً ، ورأى الفرح من قلبه غائباً والحزن فيه باقياً ، وأحبّه أهل الخير ، وهابه أهل الشّر ، ورأى القليل من الدّنيا كثيراً ، ورأى الكثير من عمل الآخرة قليلاً ، ورأى قلبه فارغاً من كلّ ما ضمن له ، مشتغلاً بكلّ ما أمر به .

وقال السري بن المغلس السقطي : التوبة صدق العزيمة على ترك الذنوب ، والإنابة بالقلب إلى علام الغيوب ، والندامة على ما فرط من العيوب ، والاستقصاء في المحاسبة مع النفس بالاستكانة والخضوع .

وقال عمرو بن عثمان : ملاك التوبة إصلاح القوت .

وسمعت أبا القاسم بن أبي بكر بن عبد الله البابي ، يقول : سمعت أبا يعلي حمزة بن وهب الطبري ، يقول : سمعت الحسن بن علوية الدامغاني ، يقول : سمعت يحيى بن معاذ ، وسئل : من التائب ؟ فقال : من كسر شبابه على رأسه وكسر الدّنيا على رأس الشيطان ، ولزم الفطام حتّى أتاه الحمام .

وقال سهل بن عبد الله : التوبة ، الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة ، وسئل ابن الحسن البوشيخي : عن التوبة ؟ فقال : إذا ذكرت الذنب فلا تجد حلاوته في قلبك .

وقال الراعي : التوبة ترك المعاصي نيةً وفعلاً ، والإقبال على الطاعة نيةً وفعلاً ، وسمعت أبا القاسم الحبيبي ، يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن عماد البغدادي ، يقول : سئل جنيد : من التائب ؟

فقال : من تاب ما دون الله .

وقال شاه الكرماني : إترك الدّنيا وقد تبت وخالف هواك وقد وصلت ، ويعفو عن السيئات إذا تابوا فيمحوها .

أخبرنا الحسن بن محمّد بن الحسن بن جعفر ، حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن سواد ، حدثنا عطيه بن لفته ، حدثنا أبي ، حدثنا الزبيري ، عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ الله تعالى أفرح بتوبة عبده المؤمن من الضال الواجد ، ومن العقيم الوالد ، ومن الظمآن الوارد . فمن تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً أنسى الله حافظيه وبقاع الأرض خطاياه وذنوبه "

أو قال : " ذنوبه وخطاياه " .

{ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } . قرأ الأعمش وحمزة والكسائي وخلف بالتاء ، وهي قراءة عبد الله وأصحابه ، ورواية حفص عن عاصم غيرهم بالياء ، وهي اختيار أبي عبيد ، قال : لأنّه لمن خبرني عن قوم . قال قبله : عن عباده ، وقال بعده : ويزيدهم من فضله .