نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ} (25)

ولما أخبر بضلالهم وجزم بإبطال أعمالهم ، رغبهم رحمة منه لهم في التوبة التي هي من الحق الذي يحقه ولو على أقل وجوهها بأن يقولوها بألسنتهم ليبلغه ذلك عنهم ، فإن قول اللسان يوشك أن يدخل إلى الجنان ، فقال مذكرا له بامتنانه عليهم بقبول توبتهم وتطهير حوبتهم كرما منه وحلما معبرا بالضمير الذي هو غيب إشارة لطفه في علمه الغيب نذارة في طي هذه البشارة ( وهو ) أي لا غيره أزلاً وأبداً { الذي يقبل التوبة } كلما شاء بالغة له أو متجاوزاً { عن عباده } الذين خالصون لطاعته ، سئل أبو الحسن البوشنجي عن التوبة فقال : إذا ذكرت الذنب فلا تجد له حلاوة في قلبك .

ولما كان القبول قد يكون في المستقبل مع الأخذ بما مضى قال : { ويعفو عن السيئات } أي التي كانت التوبة عنها صغيرة أو كبيرة وعن غيرها فلا يؤاخذ بها إن شاء لأن التوبة تجب ما قبلها كما أن الإسلام الذي هو توبة خاصة يجب ما كان قبله .

ولما كانت تعدية القبول ب " عن " مفهمة لبلوغه ذلك بواسطة ، فكان ربما اشعر بنقص في العلم ، أخبر بما يوجب التنزيه عن ذلك ترغيباً وترهيباً بقوله : { ويعلم } أي والحال أنه يعلم كل وقت { ما تفعلون } أي كل ما يتجدد لهم عمله سواء كان عن علم أو داعية شهوة وطبع سيئة كان أو حسنة ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ورويس عن يعقوب بالخطاب لافتاً للقول عن غيب العباد لأنه أبلغ في التخويف وقرأ الباقون بالعيب نسقاً على العباد وهو ، أعم وأوضح في المراد فعفوه مع العلم عن سعة الحلم .