واعلم أنه تعالى لما قال : { أم يقولون افترى على الله كذبا } ثم برأ رسوله مما أضافوه إليه من هذا وكان من المعلوم أنهم قد استحقوا بهذه الفرية عقابا عظيما ، لا جرم ندبهم الله إلى التوبة وعرفهم أنه يقبلها من كل مسيء وإن عظمت إساءته ، فقال : { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات } وفي هذه الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب «الكشاف » : يقال قبلت منه الشيء وقبلته عنه ، فمعنى قبلته منه أخذته منه وجعلته مبدأ قبلوا ومنشأه ، ومعنى قبلته عنه أخذته وأثبته عنه وقد سبق البحث المستقصى عن حقيقة التوبة في سورة البقرة ، وأقل ما لا بد منه الندم على الماضي والترك في الحال والعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل ، وروى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبر ، فلما فرغ من صلاته قال له علي عليه السلام يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين فتوبتك تحتاج إلى توبة ، فقال يا أمير المؤمنين وما التوبة ؟ فقال اسم يقع على ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة ولتضييع الفرائض الإعادة ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء بدل كل ضحك ضحكته .
المسألة الثانية : قالت المعتزلة يجب على الله تعالى عقلا قبول التوبة ، وقال أصحابنا لا يجب على الله شيء وكل ما يفعله فإنما يفعله بالكرم والفضل ، واحتجوا على صحة مذهبهم بهذه الآية فقالوا إنه تعالى تمدح بقبول التوبة ، ولو كان ذلك القبول واجبا لما حصل التمدح العظيم ، ألا ترى أن من مدح نفسه بأن لا يضرب الناس ظلما ولا يقتلهم غضبا ، كان ذلك مدحا قليلا ، أما إذا قال إني أحسن إليهم مع أن ذلك لا يجب علي كان ذلك مدحا وثناء .
المسألة الثالثة : قوله تعالى : { ويعفوا عن السيئات } إما أن يكون المراد منه أن يعفو عن الكبائر بعد الإتيان بالتوبة ، أو المراد منه أنه يعفو عن الصغائر ، أو المراد منه أنه يعفو عن الكبائر قبل التوبة ، والأول باطل وإلا لصار قوله { ويعفوا عن السيئات } عين قوله { وهو الذي يقبل التوبة } والتكرار خلاف الأصل ، والثاني أيضا باطل لأن ذلك واجب وأداء الواجب لا يتمدح به فبقي القسم الثالث فيكون المعنى أنه تارة يعفو بواسطة قبول التوبة وتارة يعفو ابتداء من غير توبة .
ثم قال : { ويعلم ما تفعلون } قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالتاء على المخاطبة والباقون بالياء على المغايبة ، والمعنى أنه تعالى يعلمه فيثيبه على حسناته ويعاقبه على سيئاته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.