المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

9- وإن من طبيعة الإنسان أن تستغرق نفسه الحالُ التي يكون عليها ، فإذا أعطيناه بعض النعم رحمة منا كالصحة والسعة في الرزق ، ثم نزعنا بعد ذلك هذه النعمة لحكمة منا ، أسرفَ في يأسه من عودة هذه النعمة إليه ، وأسرف في كفره بالنعم الأخرى التي لا يزال يتمتع بها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

يخبر تعالى عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة ، إلا من رحم الله من عباده المؤمنين ، فإنه إذا أصابته شدة بعد نعمة ، حصل له يأس{[14511]} وقنوط من الخير بالنسبة إلى المستقبل ، وكفر وجحود لماضي الحال ، كأنه لم ير خيرا ، ولم يَرْج{[14512]} بعد ذلك فرجا . وهكذا إن{[14513]} أصابته نعمة بعد نقمة { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي } أي : يقول : ما بقي ينالني بعد هذا ضيم ولا سوء ، { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } أي : فرح بما في يده ، بطر فخور على غيره .


[14511]:- في ت : "إياس".
[14512]:- في ت ، أ : "ولا يرجوا".
[14513]:- في ت : "إذا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } .

يقول تعالى ذكره : ولئن أذقنا الإنسان منا رخاء وسعة في الرزق والعيش ، فبسطنا عليه من الدنيا ، وهي الرحمة التي ذكرها تعالى ذكره في هذا الموضع ، ثُمّ نَزَعْناها مِنْهُ يقول : ثم سلبناه ذلك ، فأصابته مصائب أجاحته فذهبت به إنّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ يقول : يظلّ قناطا من رحمة الله آيسا من الخير . وقوله : «يئوس » : فعول ، من قول القائل : يئس فلان من كذا فهو يئوس ، إذا كان ذلك صفة له . وقوله : «كفور » ، يقول : هو كفور لمن أنعم عليه ، قليل الشكر لربه المتفضل عليه بما كان وهب له من نعمته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : وَلَئِنْ أذَقْنا الإنْسانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمّ نَزَعْناها مِنْهُ إنّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ قال : يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من السعة والأمن والعافية فكفور لمِا بك منها ، وإذا نزعت منك يبتغ لك فراغك فيئوس من رَوْحِ الله ، قنوط من رحمته ، كذلك المرء المنافق والكافر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

{ ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة } ولئن أعطيناه نعمة بحيث يجد لذتها . { ثم نزعناها منه } ثم سلبنا تلك النعمة منه . { إنه ليؤوسٌ } قطوع رجاءه من فضل الله تعالى لقلة صبره وعدم ثقته به . { كفور } مبالغ في كفران ما سلف له من النعمة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

عطف على جملة { ولئن أخّرْنَا عنهم العذاب إلى أمّة معدُودة } [ هود : 8 ] . فإنه لما ذكر أن ما هم فيه متاع إلى أجل معلوم عند الله . وأنهم بطروا نعمة التمتيع فسخروا بتأخير العذاب ، بيّنت هذه الآية أن أهل الضلالة راسخون في ذلك لأنّهم لا يفكّرون في غير اللّذَات الدنيوية فتجري انفعالاتهم على حسب ذلك دون رجاء لتغير الحال ، ولا يتفكرون في أسباب النعيم والبؤس وتصرفات خالق الناس ومُقدّر أحوالهم ، ولا يتّعظون بتقلبات أحوال الأمم ، فشأن أهل الضلالة أنّهم إن حلّت بهم الضراءُ بعد النعمة ملكهم اليأس من الخير ونَسُوا النعمة فجحدوها وكفروا منعمها ، فإنّ تأخير العذاب رحمةٌ وإتيان العذاب نزع لتلك الرحمة ، وهذه الجملة في قوة التذييل . فتعريف ( الإنسان ) تعريف الجنس مراد به الاستغراق ، وبذلك اكتسبت الجملة قوة التذييل . فمعيار العموم الاستثناء في قوله تعالى : { إلاّ الذّين صبرُوا وعملُوا الصّالحَات } [ هود : 11 ] كما يأتي ، فيكون الاستغراق عرفياً جارياً على اصطلاح القرآن من إطلاق لفظ الإنسان أو الناس ، ولأن وصفي { يؤوس كفور } يُناسبان المشركين فيتخصص العام بهم .

وقيل التّعريف في { الإنسان } للعهد مراد منه إنسان خاص ، فرَوى الواحدي عن ابن عبّاس أنّها نزلت في الوليد بن المغيرة . وعنه أنّها نزلت في عبد الله بن أبي أميّة المخزومي . ويجوز أن يكون المراد كلّ إنسان إذا حلّ به مثل ذلك على تفاوت في النّاس في هذا اليأس .

واللاّم موطئة للقسم .

والإذاقة مستعملة في إيصال الإدراك على وجه المجاز ، واختيرت مادة الإذاقة لما تشعر به من إدراك أمر محبوب لأنّ المرء لا يذوق إلاّ ما يشتهيه .

والرحمة ، أريدَ بها : رحمة الدنيا . وأطلقت على أثرها وهو النعمة كالصحة والأمن والعافية ، والمراد النعمة السابقة قبل نزول الضر .

والنزع حقيقته : خلع الثوب عن الجسد . واستعمل هنا في سلب النعمة على طريقة الاستعارة ، ولذلك عدّي بحرف ( من ) دون ( عن ) لأنّ المعنى على السلب والافتكاك ، فذكر ( من ) تجريد للمجاز .

وجملة { إنه ليؤوس كفور } جواب القسم ، وجردت من الافتتاح باللاّم استغناء عنها بحرف التوكيد وبلام الابتداء في خبر ( إنّ ) . واستغني بجواب القسم عن جواب الشرط المقارن له كما هو شأن الكلام المشتمل على شرط وقسم كما تقدم في قوله : { ولئن أخّرنا عنهم العذاب } [ هود : 8 ] إلى آخره .

واليؤوس والكفور مثالا مبالغة في الآيس وكافر النعمة ، أي جاحدها ، والمراد بالكفور : منكر نعمة الله لأنّه تصدُر منه أقوال وخواطر من السخط على ما انتابه كأنّه لم ينعم عليه قط .

وتأكيد الجملة باللاّم الموطئة للقسم وبحرف التوكيد في جملة جواب القسم لقصد تحقيق مضمونها وأنّه حقيقة ثابتة لا مبالغة فيها ولا تغليب .