المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

10- إنما المؤمنون بالله ورسوله إخوة جمع الإيمان بين قلوبهم ، فأصلحوا بين أخويكم رعاية لأخُوّة الإيمان ، واجعلوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله بامتثال أمره واجتناب نهيه راجين أن يرحمكم الله بتقواكم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

وقوله : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } أي : الجميع إخوة في الدين ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " {[27092]} . وفي الصحيح : " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " {[27093]} . وفي الصحيح أيضا : " إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك : آمين ، ولك بمثله " {[27094]} . والأحاديث في هذا كثيرة ، وفي الصحيح : " مثل المؤمنين في تَوادِّهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحُمَّى والسَّهَر " . وفي الصحيح أيضا : " المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه{[27095]} .

وقال أحمد : حدثنا أحمد بن الحجاج ، حدثنا عبد الله ، أخبرنا مصعب بن ثابت ، حدثني أبو حازم قال : سمعت سهل بن سعد الساعدي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، يألم المؤمن لأهل الإيمان ، كما يألم الجسد لما في الرأس " {[27096]} . تفرد به ولا بأس بإسناده .

وقوله : { فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } يعني : الفئتين المقتتلتين ، { وَاتَّقُوا اللَّهَ } أي : في جميع أموركم { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه .


[27092]:- (5) رواه البخاري في صحيحه برقم (2442) ومسلم في صحيحه برقم (2580) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
[27093]:- (6) صحيح مسلم برقم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[27094]:- (7) صحيح مسلم برقم (2732) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
[27095]:- (8) صحيح البخاري برقم (6011) وصحيح مسلم برقم (2586) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
[27096]:- (9) المسند (5/340) وقال الهيثمي في المجمع (8/187): "رجال أحمد رجال الصحيح".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به إنّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ في الدين فأَصْلِحُوا بَينَ أخَوَيْكُمْ إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله . ومعنى الأخوين في هذا الموضع : كل مقتتلين من أهل الإيمان ، وبالتثنية قرأ ذلك قرّاء الأمصار . وذُكر عن ابن سيرين أنه قرأ «بين إخوانكم » بالنون على مذهب الجمع ، وذلك من جهة العربية صحيح ، غير أنه خلاف لما عليه قرّاء الأمصار ، فلا أحبّ القراءة بها وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ يقول تعالى ذكره : وخافوا الله أيها الناس بأداء فرائضه عليكم في الإصلاح بين المقتتلين من أهل الإيمان بالعدل ، وفي غير ذلك من فرائضه ، واجتناب معاصيه ، ليرحمكم ربكم ، فيصفح لكم عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه ، واتبعتم أمره ونهيه ، واتقيتموه بطاعته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

{ إنما المؤمنون إخوة } من حيث إنهم منتسبون إلى أصل واحد وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية ، وهو تعليل وتقرير للأمر بالإصلاح ولذلك كرره مرتبا عليه بالفاء فقال : { فأصلحوا بين أخويكم } ووضع الظاهر موضع الضمير مضافا إلى المأمورين للمبالغة في التقرير والتخصيص ، وخص الاثنين بالذكر لأنهما أقل من يقع بينهم الشقاق . وقيل المراد بالأخوين الأوس والخزرج . وقرئ " بين إخوتكم " و " إخوانكم " . { واتقوا الله } في مخالفة حكمه والإهمال فيه . { لعلكم ترحمون } على تقواكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

وقوله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } يريد إخوة الدين . وقرأ الجمهور من القراء : «بين أخويكم » وذلك رعاية لحال أقل عدد يقع فيه القتال والتشاجر والجماعة متى فصل الإصلاح فإنما هو بين رجلين رجلين . وقرأ ابن عامر والحسن بخلاف عنه : «بين إخوتكم » .

وقرأ ابن سيرين وزيد بن ثابت وابن مسعود والحسن وعاصم الجحدري وحماد بن سلمة : «بين إخوانكم » . وهي حسنة . لأن الأكثر من جمع الأخ في الدين ونحوه من النسب إخوان . والأكثر في جمعه من النسب إخوة وإخاء . قال الشاعر : [ الطويل ]

وجدتم أخاكم دوننا إذ نسيتم . . . وأي بني الإخاء تنبو مناسبه ؟{[10462]}

وقد تتداخل هذه الجموع في كتاب الله . فمنه : { إنما المؤمنون إخوة }ومنه { أو بيوت إخوانكم }{[10463]} فهذا جاء على الأقل من الاستعمال .


[10462]:البيت في اللسان والتاج غير منسوب، وغنما قالا:"وانشد أبو علي"، قال صاحب اللسان:"ويدل على أن أخا فعلٌ مفتوحة العين جمعهم إياها على أفعال نحو آخاء، حكاه سيبويه عن يونس، وأنشد أبو علي: وجدتم بينكم دوننا...البيت"، ففي روايته:"بينكم دوننا" بدلا من "أخاكم بيننا"، وفي الصحاح أن الأخ أصله أخو بالتحريك، قال: "لأنه جمع على آخاء مثل آباء، والذاهب منه واو لأتنك تقول: أخوان".
[10463]:من الآية (61) من سورة (النور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

تعليل لإقامة الإصلاح بين المؤمنين إذا استشرى الحال بينهم ، فالجملة موقعها موقع العلة ، وقد بني هذا التعليل على اعتبار حال المسلمين بعضهم مع بعض كحال الإخوة .

وجيء بصيغة القصر المفيدة لحصر حالهم في حال الإخوة مبالغة في تقرير هذا الحكم بين المسلمين فهو قصر ادعائي أو هو قصر إضافي للرد على أصحاب الحالة المفروضة الذين يبغون على غيرهم من المؤمنين ، وأخبر عنهم بأنهم إخوة مجازاً على وجه التشبيه البليغ زيادة لتقرير معنى الأخوة بينهم حتى لا يحق أن يقرن بحرف التشبيه المشعر بضعف صفتهم عن حقيقة الأخُوَّة . وهذه الآية فيها دلالة قوية على تقرر وجوب الأخوة بين المسلمين لأن شأن { إنما } أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحته أو لما يُنَزِّل منزلة ذلك كما قال الشيخ في « دلائل الإعجاز » في الفصل الثاني عشر وساق عليه شواهد كثيرة من القرآن وكلام العرب فلذلك كان قوله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } مفيد أن معنى الأخوة بينهم معلوم مقرر . وقد تقرر ذلك في تضاعيف كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك قوله تعالى : { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } في سورة الحشر ( 10 ) ، وهي سابقة في النزول على هذه السورة فإنها معدودة الثانية والمائة ، وسورة الحجرات معدودة الثامنة والمائة من السور . وآخى النبي بين المهاجرين والأنصار حين وروده المدينة وذلك مبدأ الإخاء بين المسلمين . وفي الحديث لو كنت متّخذاً خليلاً غيرَ ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام أفضل .

وفي باب تزويج الصغار من الكبار من « صحيح البخاري » " أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة من أبي بكر . فقال له أبو بكر : إنما أنا أخوك فقال : أنتَ أخي في دين الله وكتابِه وهي لي حلال " وفي حديث « صحيح مسلم » " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم " وفي الحديث " لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه " أي يحب للمسلم ما يحب لنفسه .

فأشارت جملة { إنما المؤمنون إخوة } إلى وجه وجوب الإصلاح بين الطائفتين المُتبَاغِيَتَيْن منهم ببيان أن الإيمان قد عَقَد بين أهله من النسب الموحَى ما لا ينقص عن نسب الأخوة الجسدية على نحو قول عمر بن الخطاب للمرأة التي شكت إليه حاجة أولادها وقالت : أنا بنت خُفاف بن أيْمَاء ، وقد شهد أبي مع رسول الله الحديبية فقال عمر « مرحبا بنسب قريب » . ولما كان المتعارف بين الناس أنه إذا نشبت مشاقّة بين الأخوين لزم بقية الإخوة أن يتناهضوا في إزاحتها مشياً بالصلح بينهما فكذلك شأن المسلمين إذا حدث شقاق بين طائفتين منهم أن ينهض سائرهم بالسعي بالصلح بينهما وبثِّ السفراء إلى أن يرقعوا ما وهى ، ويرفعوا ما أصاب ودهَى .

وتفريع الأمر بالإصلاح بين الأخوين ، على تحقيق كون المؤمنين إخوة تأكيد لما دلت عليه { إنما } من التعليل فصار الأمر بالإصلاح الواقع ابتداء دون تعليل في قوله : { فأصلحوا بينهما } ، وقوله : { فأصلحوا بينهما بالعدل } [ الحجرات : 9 ] قد أردف بالتعليل فحصل تقريره ، ثم عقب بالتفريع فزاده تقريراً .

وقد حصل من هذا النَظم ما يشبه الدعوى وهي كمطلوب القياس ، ثم ما يشبه الاستدلال بالقياس ، ثم ما يشبه النتيجة .

ولمَّا تقرر معنى الأخوة بين المؤمنين كمالَ التقرّر عُدل عن أن يقول : فأصلحوا بين الطائفتين ، إلى قوله : { بين أخويكم } فهو وصف جديد نشأ عن قوله : { إنما المؤمنون إخوة } ، فتعين إطلاقه على الطائفتين فليس هذا من وضع الظاهر موضع الضمير فتأمل .

وأوثرت صيغة التثنية في قوله : { أخويكم } مراعاة لكون الكلام جار على طائفتين من المؤمنين فجعلت كل طائفة كالأخ للأخرى . وقرأ الجمهور { بين أخويكم } بلفظ تثنية الأخ ، أي بين الطائفة والأخرى مراعاة لجريان الحديث على اقتتال طائفتين . وقرأ الجمهور { بين أخويكم } بلفظ تثنية الأخ على تشبيه كل طائفة بأخ . وقرأ يعقوب { فأصلحوا بين إخوَتِكم } بتاء فوقية بعد الواو على أنه جمع أخ باعتبار كل فرد من الطائفتين كالأخ .

والمخاطب بقوله : { واتقوا اللَّه لعلكم ترحمون } جميع المؤمنين فيشمل الطائفتين الباغية والمبغي عليها ، ويشمل غيرهما ممن أمروا بالإصلاح بينما ومقاتلة الباغية ، فتقوى كلَ بالوقوف عند ما أمر الله به كُلّا مما يخصه ، وهذا يشبه التذييل . ومعنى { لعلكم ترحمون } : تُرجى لكم الرحمة من الله فتجري أحوالكم على استقامة وصلاح . وإنما اختيرت الرحمة لأن الأمر بالتقوى واقع إثر تقرير حقيقة الأخوة بين المؤمنين وشأن تعامل الإخوة الرحمة فيكون الجزاء عليها من جنسها .