المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

67- الله - وحده - الذي خلقكم - يا بني آدم - من تراب ، ثم حول هذا التراب نطفة ، ثم حول هذه النطفة إلى قطعة دم جامدة ، ثم يُخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا ، ثم يمد في آجالكم لتبلغوا سن الكمال في القوة والعقل ، ثم يطيل أعماركم لتكونوا شيوخاً ، ومنكم من يُتوفي قبل سن الشباب أو الشيخوخة ، وخلقكم الله على هذا النمط لتبلغوا وقتاً مسمى عنده وهو يوم البعث ، ولكي تعقلوا ما في هذا التنقل في الأطوار من حكم وعبر{[199]} .


[199]:{هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة}...الخ. التعليق على النطفة والعلقة والمضغة الآيات 7، 8، 9 السجدة، 12، 13، 14 المؤمنون، 67 غافر، 5 الحج. النطفة في اللغة: تطلق على معان منها: مني الرجل. وبالرجوع إلى الآية الكريمة: {ألم يك نطفة من مني يمنى} تبين أن المقصود بالنطفة جزء خاص من هذا المني، وقد كشف العلم عن المقصود بهذا الجزء وهو الحيوان المنوي الذي يحمله السائل المنوي، وهذا الحيوان هو الذي يلقح بويضة الأنثى. العلقة: من معانيها في اللغة: الدم الجامد، أو السائل الذي اشتدت حمرته، والمراد بها علميا خلايا الجنين التي تعلق بجدار الرحم بعد طور تلقيح الحيوان المنوي للبويضة وصيرورتها خلية واحدة تنقسم إلى عدة خلايا وتتكاثر وتتحرك نحو جدار الرحم وتنشب محدثة نزيفا من الدم محليا. المضغة: هي الجنين في طور من أطوار تكوينه، يتلو العلقة بعد التصاقها بجدار الرحم واستدارتها بغير انتظام وإحاطتها بأغشية، حيث تبقى المضغة كذلك بضعة أسابيع حتى يبدأ تكوين العظام، والمضغة تحتوي على خلايا مخلقة وهي التي يتكون منها الجنين، وعلى خلايا غير مخلقة وهي التي تحيط بالجزء المخلق ووظيفتها وقايته وإمداده بالغذاء. العظام: أثبت علم الأجنة أخيرا أن مراكز تكوين العظام تظهر في الطبقة المتوسطة من خلايا المضغة المختلفة في مرحلة سابقة لتميز الخلايا العضلية.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

قوله تعالى : " هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا " أي أطفالا . وقد تقدّم هذا{[13394]} . " ثم لتبلغوا أشدكم " وهي حالة اجتماع القوة وتمام العقل . وقد مضى في " الأنعام " {[13395]} بيانه . " ثم لتكونوا شيوخا " بضم الشين قراءة نافع وابن محيصن وحفص وهشام ويعقوب وأبو عمرو على الأصل ؛ لأنه جمع فعل ، نحو : قلب وقلوب ورأس ورؤوس . وقرأ الباقون بكسر الشين لمراعاة الياء وكلاهما جمع كثرة ، وفي العدد القليل أشياخ والأصل أشيخ ، مثل فلس وأفلس إلا أن الحركة في الياء ثقيلة . وقرئ " شيخا " على التوحيد ، كقوله : " طفلا " والمعنى كل واحد منكم ، واقتصر على الواحد لأن الغرض بيان الجنس . وفي الصحاح : جمع الشيخ شيوخ وأشياخ وشيخَة وشِيخَان ومَشْيَخَة ومشايخ ومشيوخاء ، والمرأة شيخة . قال عبيد{[13396]} :

كأنها شَيْخَةٌ رَقُوبُ{[13397]}

وقد شاخ الرجل يشيخ شَيَخًا بالتحريك على أصله وشيخوخة ، وأصل الياء متحركة فسكنت ؛ لأنه ليس في الكلام فعلول . وشيخ تشييخا أي شاخ . وشيخته{[13398]} دعوته شيخا للتبجيل . وتصغير الشيخ شييخ وشييخ أيضا بكسر الشين ولا تقل شويخ . النحاس : وإن اضطر شاعر جاز أن يقول أشيخ مثل عين وأعين إلا أنه حسن في عين ؛ لأنها مؤنثة . والشيخ من جاوز أربعين سنة .

" ومنكم من يتوفى من قبل " قال مجاهد : أي من قبل أن يكون شيخا ، أومن قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا . " ولتبلغوا أجلا مسمى " قال مجاهد : الموت للكل . واللام لام العاقبة . " ولعلكم تعقلون " تعقلون ذلك فتعلموا أن لا إله غيره .


[13394]:راجع ج 12 ص 11 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
[13395]:راجع ج 7 ص 134 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
[13396]:هو عبيد بن الأبرص.
[13397]:الرقوب: التي ترقب ولدها خوف أن يموت. والبيت في وصف فرسه، وتمامه: *باتت على أرم عذوبا*
[13398]:الزيادة من كتب اللغة.