فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

ثم أردف هذا بذكر دليل من الأدلة الدالة على التوحيد فقال :

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ } أي خلق أباكم الأول وهو آدم ، وخلقه { مِنْ تُرَابٍ } يستلزم خلق ذريته منه { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } قد تقدم تفسير هذا في غير موضع { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا } أي أطفالا ، وأفرده لكونه اسم جنس ، أو على معنى : ثم يخرج كل واحد منكم طفلا .

{ ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ } وهي الحالة التي تجتمع فيها القوة والعقل من الثلاثين سنة إلى الأربعين ، وقد سبق بيان الأشد مستوفي في الأنعام والتقدير لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا غاية الكمال { ثُمَّ } يبقيكم .

{ لِتَكُونُوا شُيُوخًا } بضم الشين وبكسرها سبعيتان وقرئ شيخا على الإفراد كقوله طفلا والشيخ من جاوز الأربعين سنة ، يعني أن مراتب الإنسان بعد خروجه من بطن أمه ثلاث : الطفولية ، وهي حالة النمو والزيادة إلى أن يبلغ كمال الأشد من غير ضعف ، ثم يتناقص بعد ذلك وهي الشيخوخة .

{ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ } أي من قبل الأشد ، ومن قبل الشيخوخة { وَلِتَبْلُغُوا } جميعا { أَجَلًا مُسَمًّى } أي وقت الموت أو يوم القيامة ، واللام هي لام التعليل أو العاقبة { وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته البالغة في خلقهم على هذه الأطوار المختلفة إلى الأجل المذكور .