المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

ثم بين تعالى أمر الوحدانية والألوهية بالعبرة في ابن آدم وتدريج خلقه ، فأوله خلق آدم عليه السلام من تراب من طين لازب{[10021]} ، فجعل البشر من التراب كما كان منسلاً من الخلوق من التراب . وقوله تعالى : { من نطفة } إشارة إلى التناسل من آدم فمن بعده . والنطفة [ هي ]{[10022]} : الماء الذي خلق المرء منه . والعلقة : الدم الذي يصير من النطفة . والطفل هنا : اسم جنس . وبلوغ الأشد : اختلف فيه : فقيل ثلاثون ، وقيل ستة وثلاثون ، وقيل أربعون : وقيل ستة وأربعون ، وقيل عشرون ، وقيل ثمانية عشر ، وقيل خمسة عشر ، وهذه الأقوال الأخيرة ضعيفة في الأشد .

وقوله تعالى : { ومنكم من يتوفى من قبل } عبارة تتردد في الأدراج المذكورة كلها ، فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلاً ، وآخرون قبل الأشد ، وآخرون قبل الشيخوخة .

وقوله : { ولتبلغوا أجلاً مسمى } أي هذه الأصناف كلها مخلوقة ميسرة ليبلغ كل واحد منها أجلاً مسمى لا يتعداه ولا يتخطاه ولتكون معتبراً . { ولعلكم } أيها البشر { تعقلون } الحقائق إذا نظرتم في هذا وتدبرتم حكمة الله تعالى .


[10021]:في بعض النسخ: (من تراب ثم من طين لازب).
[10022]:ما بين العلامتين [....] زيادة لتوضيح المعنى واستقامة العبارة.