فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

ثم أردف هذا بذكر دليل من الأدلة على التوحيد ، فقال : { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ } أي خلق أباكم الأوّل ، وهو أدم ، وخلقه من تراب يستلزم خلق ذرّيته منه { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } قد تقدّم تفسير هذا في غير موضع { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أي أطفالاً ، وأفرده لكونه اسم جنس ، أو على معنى : يخرج كلّ واحد منكم طفلاً { ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ } ، وهي الحالة التي تجتمع فيها القوّة والعقل . وقد سبق بيان الأشدّ مستوفى في الأنعام ، واللام التعليلية في : { لتبلغوا } معطوفة على علة أخرى ، { ليخرجكم } مناسبة لها ، والتقدير : لتكبروا شيئًا ، فشيئا ، ثم لتبلغوا غاية الكمال ، وقوله : { ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً } معطوف على لتبلغوا ، قرأ نافع ، وحفص ، وأبو عمرو ، وابن محيصن ، وهشام : { شيوخاً } بضم الشين ، وقرأ الباقون بكسرها ، وقرئ وشيخاً على الإفراد لقوله طفلاً ، والشيخ من جاوز أربعين سنة { وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ } أي من قبل الشيخوخة { وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى } أي وقت الموت أو يوم القيامة ، واللام هي لام العاقبة { وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تعقلوا توحيد ربكم ، وقدرته البالغة في خلقكم على هذه الأطوار المختلفة .