تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

الآية 67 وقوله تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } يذكر لهم الوجوه التي بها يوصل إلى معرفة شكر ما أنعم عليهم ، يقول{[18357]} : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ } أي خلق أصلكم من تراب { ثم من نطفة } أي خلقكم من نطفة ، يذكر لهم هذا ليُعلم خلقه إياهم من تراب ؛ أعني خلق أصلهم ليس باستعانة منه بذلك التراب ، لأنه لو كان على الاستعانة منه لكان لا معنى لخلق أنفسهم من الماء [ على الصورة التي خلق من تراب وعلى جنسه ؛ إذ ليس في الماء من آثار التراب شيء ، ولا في الماء ]{[18358]} والنطفة من آثار العلقة شيء ، ولا في العلقة من آثار الطفوليّة شيء من اللحم والعظم والجلد والشعر وغير ذلك ؛ ليس في التراب معنى الماء ، ولا في الماء معنى التراب .

ولو كان على الاستعانة بذلك لكان المخلوق من أحدهما لا يكون مثل المخلوق من الآخر في تركيبه وتصويره ، وهما يختلفان في نفسيهما .

وكذلك ما ذكر من تقلّبه من حال إلى حال وتبديله من نوع إلى نوع ، وليس في كل حال تقلّب إليها من الحال التي كانت شيء ، ولا من شبهها ، ليعلم أن كل ذلك إنما كان بقدرته ذاتية وعلم ذاتي وتدبير ذاتيّ{[18359]} لا باستعانة شيء مما ذكر ولا سبب له في ذلك . ولكن كان بمعنى جعل فيه ؛ كان ذلك كذلك بوجود ذلك المعنى ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ } أي تبلغوا حتى يشتد كل شيء منه من البنية والعقل وغير ذلك .

وقوله تعالى : { ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ } أي منكم من يتوفّي من قبل أن يبلغ شيخا .

وقوله تعالى : { وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى } أي لتبلغوا الأجل الذي جعل لكم .

وقوله تعالى : { وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي تعلقون ما بيّن لكم وذكر لكم .


[18357]:في الأصل وم: قال.
[18358]:من م، ساقطة من الأصل.
[18359]:أدرج بعدها في الأصل وم: كذلك.