ويعقب السياق على قولة الكفار التياهين ، المتباهين بما هم فيه من مقام وزينة بلمسة وجدانية ترجع القلب إلى مصارع الغابرين ، على ما كانوا فيه من مقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين :
وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا . .
فلم ينفعهم أثاثهم ورياشهم وزينتهم ومظهرهم . ولم يعصمهم شيء من الله حين كتب عليهم الهلاك .
ألا إن هذا الإنسان لينسى . ولو تذكر وتفكر ما أخذه الغرور بمظهر ؛ ومصارع الغابرين من حوله تلفته بعنف وتنذره وتحذره ، وهو سادر فيما هو فيه ، غافل عما ينتظره مما لقيه من كانوا قبله وكانوا أشد قوة وأكثر أموالا وأولادا .
وقوله { وكم } مخاطبة من الله تعالى لمحمد خبر يتضمن كسر حجتهم واحتقار أمرهم لأن التقدير : هذا الذي افتخروا به لا قدر له عند الله وليس بمنج لهم فكم أهلك الله من الأمم لما كفروا وهو أشد من هؤلاء وأكثر أموالاً وأجمل منظراً . و «القرن » الأمة يجمعها العصر الواحد ، واختلف الناس في قدر المدة التي اذا اجتمعت لأمة سميت تلك الامة قرناً ، فقيل مائة سنة ، وقيل ثمانون ، وقيل سبعون ، وقد تقدم القول في هذا غير مرة ، و «الأثاث » المال العين والعرض والحيوان وهو اسم عام واختلف هل هو جمع أو إفراد . فقال الفراء : هو اسم جمع لا واحد له من لفظه كالمتاع ، وقال خلف الأحمر : هو جمع واحدة أثاثة كحمامة وحمام ومنه قول الشاعر : [ الوافر ]
أشاقتك الظعائن يوم بانوا . . . بذي الزي الجميل من الأثاث{[8023]}
لقد علمت عرينة حيث كانت . . . بأنا نحن أكثرهم أثاثاً{[8024]}
وقرأ نافع بخلاف وأهل المدينة «وريّاً » بياء مشددة ، وقرأ ابن عباس فيما روي عنه وطلحة «وريا » بياء مخففة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي «ورءياً » بهمزة بعدها ياء على وزن رعياً ، ورويت عن نافع وابن عامر رواها أشهب عن نافع وقرأ أبو بكر عن عاصم «وريئاً » بياء ساكنة بعدها همزة وهو على القلب وزنه فلعاً وكأنه من راع وقال الشاعر : [ الطويل ]
وكل خليل راءني فهو قائل . . . من اجلك هذا هامة اليوم أو غد{[8025]}
فأما القراءتان المهموزتان فهما من رؤية العين الرئي اسم المرئي والظاهر للعين كالطحن والسقي ، قال ابن عباس الرئي المنظر قال الحسن «ورياً » معناه صوراً وأما المشددة الياء فقيل هي بمعنى المهموزة إلا أن الهمزة خففت لتستوي رؤوس الآي ، وذكر منذر بن سعيد عن بعض أهل العلم أنه من «الري » في السقي كأنه أراد أنهم خير منهم بلاداً وأطيب أرضاً وأكثر نعماً إذ جملة النعم إنما هي من الري والمطر ، وأما القراءة المخففة الياء فضعيفة الوجه ، وقد قيل هي لحن ، وقرأ سعيد بن جبير ويزيد البربري وابن عباس أيضاً «وزياً » بالزاي وهو بمعنى الملبس وهيئته تقول زييت بمعنى زينت{[8026]} .
جملة { وكم أهلكنا قبلهم من قرن } خطاب من الله لرسوله . وقد أهلك الله أهل قرون كثيرة كانوا أرفه من مشركي العرب متاعاً وأجمل منهم منظراً . فهذه الجملة معترضة بين حكاية قولهم وبين تلقين النبي صلى الله عليه وسلم ما يجيبهم به عن قولهم ، وموقعها التهديد وما بعدها هو الجواب .
والأثاث : متاع البيوت الذي يُتزين به ، و { رئياً } قرأه الجمهور بهمزة بعد الراء وبعد الهمزة ياء على وزن فِعْل بمعنى مفعول كذبِح ، من الرؤية ، أي أحسن مَرِئيّاً ، أي منظراً وهيئة .
وقرأه قالون عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر « رِيّاً » بتشديد الياء بلا همزة إما على أنّه من قلب الهمزة ياء وإدغامها في الياء الأخرى ، وإما على أنّه من الرِيّ الذي هو النعمة والترفه ، من قولهم : ريّان من النّعيم . وأصله من الريّ ضد العطش ، لأنّ الريّ يستعار للتنعم كما يستعار التلهّف للتألّم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.