المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (29)

29- هو الرحمن صدَّقنا به ولم تصدِّقوا ، وعليه - وحده - اعتمدنا ، واعتمدتم على غيره ، فستعلمون إذا نزل العذاب أي الفريقين هو في انحراف بعيد عن الحق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (29)

ثم يترقى من هذه التسوية بين الأمرين ، إلى تقرير موقف المؤمنين من ربهم وثقتهم به وتوكلهم عليه ، مع التلميح إلى اطمئنانهم لأيمانهم ، وثقتهم بهداهم ، وبأن الكافرين في ضلال مبين .

( قل : هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا . فستعلمون من هو في ضلال مبين ) . .

وذكر صفة( الرحمن )هنا يشير إلى رحمته العميقة الكبيرة برسوله والمؤمنين معه ؛ فهو لن يهلكهم كما يتمنى الكافرون أو كما يدعون .

ويوجه النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إلى إبراز الصلة التي تربطهم بربهم الرحمن . صلة الإيمان ( آمنا به ) . . وصلة التوكل ( وعليه توكلنا ) . . عليه وحده . . والتعبير يشي بالقربى بينهم وبين الرحمن . والله - سبحانه - هو الذي يتفضل على رسوله وعلى المؤمنين فيأذن له بإعلان هذه القربى ، ويوجهه إلى هذا الإعلان . وكأنما ليقول له : لا تخف مما يقوله الكفار . فأنت ومن معك موصولون بي منتسبون إلي . وأنت مأذون مني في أن تظهر هذه الكرامة ، وهذا المقام ! فقل لهم . . . وهذا ود من الله وتكريم . .

ثم ذلك التهديد الملفوف : ( فستعلمون من هو في ضلال مبين ) . . وهو أسلوب كذلك من شأنه أن يخلخل الإصرار على الجحود ؛ ويدعوهم إلى مراجعة موقفهم مخافة أن يكونوا هم الضالين ! فيتعرضوا للعذاب الذي سبق ذكره في الآية : ( فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ? )وفي الوقت ذاته لا يجبههم بأنهم ضالون فعلا ، حتى لا تأخذهم العزة بالإثم . وهو أسلوب في الدعوة يناسب بعض حالات النفوس . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (29)

قل هو الرحمن الذي أدعوكم إليه ، مولي النعم كلها ، آمنا به للعلم بذلك ، وعليه توكلنا للوثوق عليه ، والعلم بأن غيره بالذات لا يضر ولا ينفع ، وتقديم الصلة للتخصيص والإشعار به ، فستعلمون من هو في ضلال مبين منا ومنكم . وقرأ الكسائي بالياء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (29)

هذا تكرير ثالث لفعل { قل } من قوله : { قل هو الذي أنشأكم } [ الملك : 23 ] الآية .

وجاء هذا الأمر بقول يقوله لهم بمناسبة قوله : { أو رحمنا } [ الملك : 28 ] فإنه بعد أن سوَّى بين فرض إهلاك المسلمين وإحيائهم في أن أيّ الحالين فُرض لا يجيرهم معه أحد من العذاب ، أعقبه بأن المسلمين آمنوا بالرحمان ، فهم مظنة أن تتعلق بهم هذه الصفة فيرحمهم الله في الدنيا والآخرة ، فيعلم المشركون علم اليقين أيّ الفريقين في ضلال حين يرون أثر الرحمة على المسلمين وانتفاءه عن المشركين في الدنيا وخاصة في الآخرة .

وضميرُ { هو } عائد إلى الله تعالى الواقع في الجملة قبله ، أي الله هو الذي وَصْفُه { الرحمان } فهو يرحمنا ، وأنكم أنكرتم هذا الاسم فأنتم أحرياء بأن تُحرَموا آثار رحمته . ونحن توكلنا عليه دون غيره وأنتم غرّكم عزّكم وجعلتم الأصنام معتمدكم ووكلاءكم .

وبهذه التوطئة يقع الإيماء إلى الجانب المهتدي والجانب الضالّ من قوله : { فستعلمون من هو في ضلال مبين } لأنه يظهر بداءً تأمل أن الذين في ضلال مبين هم الذين جحدوا وصف { الرحمان } وتوكلوا على الأوثان .

و { مَن } موصولة ، وما صْدَقُ { مَن } فريق مُبهم متردد بين فريقين تضمنهما قوله : { إن أهلكني الله ومَن معي } [ الملك : 28 ] وقوله : { فمن يجير الكافرين } [ الملك : 28 ] ، فأحد الفريقين فريق النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ، والآخر فريق الكافرين ، أي فستعلمون اتضاح الفريق الذي هو في ضلال مبين .

وتقديم معمول { توكلنا } عليه لإفادة الاختصاص ، أي توكلنا عليه دون غيره تعريضاً بمخالفة حال المشركين إذ توكلوا على أصنامهم وأشركوها في التوكل مع الله ، أو نَسُوا التوكل على الله باشتغال فكرتهم بالتوجه إلى الْاصنام .

وإنما لم يقدم معمول { آمنَّا } عليه فلم يقل : به آمنا لمُجرد الاهتمام إلى الإِخبار عن إيمانهم بالله لوقوعه عقب وصف الآخرين بالكفر في قوله : { فمن يجير الكافرين من عذاب أليم } [ الملك : 28 ] فإن هذا جواب آخر عن تمنّيهم له الهلاك سُلك به طريق التبكيت ، أي هو الرحمان يجيرنا من سوء ترومونه لنا لأننا آمنا به ولم نكْفر به كما كفرتم ، فلم يكن المقصود في إيراده نفي الإِشراك وإثبات التوحيد ، إذ الكلام في الإِهلاك والإنجاء المعبّر عنه ب { رَحِمنَا } [ الملك : 28 ] فجيء بجملة { ءامنا } على أصل مجرد معناها دون قصد الاختصاص ، بخلاف قوله : { وعليه توكلنا } لأن التوكل يقتضي منجياً وناصراً ، والمشركون متوكلون على أصنامهم وقوتهم وأموالهم ، فقيل : نحن لا نتكل على ما أنتم متكلون عليه ، بل على الرحمان وحده توكلنا .

وفعل { فستعلمون } معلق عن العمل لمجيء الاستفهام بعده .

وقرأ الجمهور { فستعلمون } بتاء الخطاب على أنه مما أمر بقوله الرسول صلى الله عليه وسلم وقرأه الكسائي بياء الغائب على أن يكون إخباراً من الله لرسوله بأنه سيعاقبهم عقاب الضالّين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (29)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قل هو الرحمن} الذي يفعل ذلك {آمنا به} يقول: صدقنا بتوحيده، إن شاء أهلكنا أو عذبنا {وعليه توكلنا} يعني بالله وثقنا حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: {إن أنتم إلا في ضلال مبين}، فرد النبي صلى الله عليه وسلم: {فستعلمون} عند نزول العذاب {من هو في ضلال مبين}، يعني باطل ليس بشيء أنحن أم أنتم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قل "يا محمد: ربنا "الرّحْمَنُ آمَنّا بِهِ" يقول: صدّقنا به.

"وَعَلَيْهِ تَوَكّلْنا" يقول: وعليه اعتمدنا في أمورنا، وبه وثقنا فيها.

{فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} يقول: فستعلمون أيها المشركون بالله الذي هو في ذهاب عن الحقّ، والذي هو على غير طريق مستقيم منا ومنكم إذا صرنا إليه، وحشرنا جميعا...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وعليه توكلنا} جائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خوّفه المشركون بأنواع من المخاوف، فقيل له: قل {وعليه توكلنا} أي اعتمدنا؛ هو الذي يدفع عنا شركم، وينصرنا عليكم.

{فستعلمون من هو في ضلال مبين} جائز أن يكونوا نسبوه أيضا إلى الضلال، وادّعوا أنهم على الهدى، ولم ينظروا في آيات الله تعالى ليتيقنوا بها من المهتدي منهم؟ ومن الضال؟ فقال: {فستعلمون من هو في ضلال مبين} إذا جاءكم بأس الله تعالى، وذلك عند الموت أو في الآخرة...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

في الآية خاتمة على منوال السابقة وتبيين أن أحسن العمل الإيمان والتوكل على الله تعالى وحده وهو حقيقة التقوى...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يترقى من هذه التسوية بين الأمرين، إلى تقرير موقف المؤمنين من ربهم وثقتهم به وتوكلهم عليه، مع التلميح إلى اطمئنانهم لأيمانهم، وثقتهم بهداهم، وبأن الكافرين في ضلال مبين. (قل: هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا. فستعلمون من هو في ضلال مبين).. وذكر صفة (الرحمن) هنا يشير إلى رحمته العميقة الكبيرة برسوله والمؤمنين معه؛ فهو لن يهلكهم كما يتمنى الكافرون أو كما يدعون. ويوجه النبي [صلى الله عليه وسلم] إلى إبراز الصلة التي تربطهم بربهم الرحمن. صلة الإيمان (آمنا به).. وصلة التوكل (وعليه توكلنا).. عليه وحده.. والتعبير يشي بالقربى بينهم وبين الرحمن. والله -سبحانه- هو الذي يتفضل على رسوله وعلى المؤمنين فيأذن له بإعلان هذه القربى، ويوجهه إلى هذا الإعلان. وكأنما ليقول له: لا تخف مما يقوله الكفار. فأنت ومن معك موصولون بي منتسبون إلي. وأنت مأذون مني في أن تظهر هذه الكرامة، وهذا المقام! فقل لهم... وهذا ود من الله وتكريم.. ثم ذلك التهديد الملفوف: (فستعلمون من هو في ضلال مبين).. وهو أسلوب كذلك من شأنه أن يخلخل الإصرار على الجحود؛ ويدعوهم إلى مراجعة موقفهم مخافة أن يكونوا هم الضالين! فيتعرضوا للعذاب الذي سبق ذكره في الآية: (فمن يجير الكافرين من عذاب أليم؟) وفي الوقت ذاته لا يجبههم بأنهم ضالون فعلا، حتى لا تأخذهم العزة بالإثم. وهو أسلوب في الدعوة يناسب بعض حالات النفوس...

.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

إنّ هذه الآية في الحقيقة نوع من المواساة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين، كي لا يظنّوا أو يتصوّروا أنّهم وحدهم في هذا الصراع الواسع بين الحقّ والباطل، حيث إنّ الرحمن الرحيم خير معين لهم ونعم الناصر...