المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (95)

95- وممتنع علي أهل كل قرية أهلكناهم بسبب ظلمهم أنهم لا يرجعون إلينا يوم القيامة ، بل لابد من رجوعهم وحسابهم علي سوء أعمالهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (95)

93

( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) . .

إنما يفرد السياق هذه القرى بالذكر بعد أن قال : ( كل إلينا راجعون ) لأنه قد يخطر للذهن أن هلاكها في الدنيا كان نهاية أمرها ، ونهاية حسابها وجزائها . فهو يؤكد رجعتها إلى الله ، وينفي عدم الرجعة نفيا قاطعا في صورة التحريم لوقوعه . وهو تعبير فيه شيء من الغرابة ، مما جعل المفسرين يؤولونه فيقدرون أن " لا " زائدة . وأن المعنى هي نفي رجعة القرى إلى الحياة في الدنيا بعد إهلاكها . أو نفي رجوعهم عن غيهم إلى قيام الساعة . وكلاهما تأويل لا داعي له . وتفسير النص على ظاهره أولى ، لأن له وجهه في السياق على النحو الذي ذكرنا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (95)

{ وحرام على قرية } وممتنع على أهلها غير متصور منهم . وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي " وحرم " بكسر الحاء وإسكان الراء وقرئ " حرم " . { أهلكناها } حكمنا بإهلاكها أو وجدناها هالكة . { أنهم لا يرجعون } رجوعهم إلى التوبة أو الحياة ولا صلة ، أو عدم رجوعهم للجزاء وهو مبتدأ خبره حرام أو فاعل له ساد مسد خبره أو دليل عليه وتقديره : توبتهم أو حياتهم أو عدم بعثهم ، أو لأنهم { لا يرجعون } ولا ينيبون { وحرام } خبر محذوف أي وحرام عليها ذاك وهو المذكور في الآية المتقدمة ويؤيده القراءة بالكسر . وقيل حرام عزم وموجب عليهم { أنهم لا يرجعون } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (95)

جملة معترضة ، والمراد بالقرية أهلها . وهذا يعم كلّ قرية من قرى الكفر ، كما قال تعالى : { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا } [ الكهف : 59 ] .

والحرام : الشيء الممنوع ، قال عنترة :

حَرُمت عليّ وليتَها لم تحرُم

أي : مُنِعت أي مَنَعها أهلها .

أي ممنوع على قرية قدّرْنا إهلاكها أن لا يرجعوا ، ف { حرام } خبر مقدم و { أنهم لا يرجعون } في قوة مصدر مبتدأ . والخبر عن ( أنّ ) وصلتِها لا يكون إلاّ مقدّماً ، كما ذكره ابن الحاجب في « أماليه » في ذكر هذه الآية .

وفعل { أهلكناها } مستعمل في إرادة وقوع الفعل ، أي أردنا إهلاكها .

والرجوع : العود إلى ما كان فيه المرء ؛ فيحتمل أن المراد رجوعهم عن الكفر فيتعين أن تكون ( لا ) في قوله تعالى : { لا يرجعون } زائدة للتوكيد ، لأن ( حرام ) في معنى النفي و ( لا ) نافية ونفي النفي إثبات ، فيصير المعنى منع عدم رجوعهم إلى الإيمان ، فيؤُول إلى أنهم راجعون إلى الإيمان . وليس هذا بمراد فتعين أن المعنى : مَنْع على قرية قدرنا هلاكها أن يرجعوا عن ضلالهم لأنه قد سبق تقدير هلاكها . وهذا إعلام بسنة الله تعالى في تصرفه في الأمم الخالية مقصود منه التعريض بتأييس فريق من المشركين من المصير إلى الإيمان وتهديدهم بالهلاك . وهؤلاء هم الذين قدّر الله هلاكَهم يوم بدر بسيوف المؤمنين .

ويجوز أن يراد رجُوعهم إلى الآخرة بالبعث ، وهو المناسب لتفريعه على قوله تعالى : { كل إلينا راجعون } [ الأنبياء : 93 ] فتكون ( لا ) نافية . والمعنى : ممنوع عَدَم رجوعهم إلى الآخرة الذي يزعمونه ، أي دعواهم باطلة ، أي فهم راجعون إلينا فمجازَوْن على كفرهم ، فيكون إثباتاً للبعث بنفي ضده ، وهو أبلغ من صريح الإثبات لأنه إثبات بطريق الملازمة فكأنه إثبات الشيء بحجة . ويفيد تأكيداً لقوله تعالى : { كل إلينا راجعون } [ الأنبياء : 93 ] .

وجملة { أهلكناها } إدماج للوعيد بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة .

وفعل { أهلكناها } مستعمل في أصل معناه ، أي وقع إهلاكنا إياها . والمعنى : ما من قرية أهلكناها فانقرضت من الدنيا إلا وهم راجعون إلينا بالبعث . وقيل { حرام } اسم مشترك بين الممنوع والواجب ، وأنشدوا قول الخنساء :

وإن حراماً لا أرى الدهر باكيا *** على شجوه إلا بَكيتُ على صَخْر

وفي كتاب « لسان العرب » « في حديث عمر : في الحرَام كفارة يمين : هو أن يقول الرجل : حرامُ الله لا أفعل ، كما يقول : يمينُ الله لا أفعل ، وهي لغة العُقيليين » اه . ورأيت في مجموعة أدبية عتيقة ( من كتب جامع الزيتونة عددها 4561 ) : أن بني عُقيل يقولون حَرام الله لآتينك كما يقال يمين الله لآتينك آه . وهو يشرح كلام « لسان العرب » بأن هذا اليمين لا يختص بالحلف على النفي كما في مثال « لسان العرب » .

فيتأتى على هذا وجه ثالث في تفسير قوله تعالى : { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } أي ويمين منا على قرية ، فحرف ( علىَ ) داخل على المُسلطة عليه اليمين ، كما تقول : عزمتُ عليك ، وكما يقال : حلفت علىَ فلان أن لا ينطق . وكقول الراعي :

إني حلفتُ علىَ يمين بَرّة *** لاَ أكتُم اليومَ الخليفةَ قيلا

وفتح همزة « أنّ » في اليمين أحد وجهين فيها في سياق القسم .

ومعنى { لا يرجعون } على هذا الوجه لا يرجعون إلى الإيمان لأن الله علم ذلك منهم فقدر إهلاكهم .

وقرأ الجمهور { وحَرام } بفتح الحاء وبألف بعد الراء . وقرأه حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم { وحِرْم } بكسر الحاء وسكون الراء ، وهو اسم بمعنى حرام . والكلمة مكتوبة في المصحف بدون ألف ومروية في روايات القراء بوجهين ، وحذف الألف المشبعة من الفتحة كثير في المصاحف .