المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (13)

13- ولله ما في كل زمان ، كما أن له ما في كل مكان ، وهو السميع لكل ما يسمع ، العليم بكل ما يُعلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (13)

12

بعد ذلك يمضي السياق يستقصي الخلائق في الزمان - كما استقصاها في الآية السابقة في المكان - ليقرر تفرد الله - سبحانه - بملكيتها ؛ وعلمه - سبحانه - وسمعه المحيطين بها :

( وله ما سكن في الليل والنهار ، وهو السميع العليم ) . .

وأقرب تأويل لقوله : ( ما سكن ) أنه من السكنى - كما ذكر الزمخشري في الكشاف - وهو بهذا يعني كل ما اتخذ الليل والنهار سكنا ؛ فهو يعني جميع الخلائق ؛ ويقرر ملكيتها لله وحده . كما قرر من قبل ملكية الخلائق كلها له سبحانه . غير أنه في الآية الأولى : ( قل : لمن ما في السماوات والأرض ؟ قل : لله ) قد استقصى الخلائق من ناحية المكان . وفي هذه الآية الثانية : ( وله ما سكن في الليل والنهار ) . . قد استقصى الخلائق من ناحية الزمان . . ومثله معروف في التعبير القرآني حين يتجه إلى الاستقصاء . . وهذا هو التأويل الذي نطمئن إليه في الآيتين من بين شتى التأويلات .

والتعقيب بصفتي السمع والعلم يفيد الإحاطة بهذه الخلائق ، وبكل ما يقال عنها كذلك من مقولات المشركين الذي يواجههم هذا النص . . ولقد كانوا مع إقرارهم بوحدانية الخالق المالك ، يجعلون لأربابهم المزعومة جزءا من الثمار ومن الأنعام ومن الأولاد - كما سيجيء في نهاية السورة - فهو يأخذ عليهم الإقرار هنا بملكية كل شيء ؛ ليواجههم بها فيما يجعلونه للشركاء بغير إذن من الله . كما أنه يمهد بتقرير هذه الملكية الخالصة لما سيلي في هذه الفقرة من ولاية لله وحده ، بما أنه هو المالك المتفرد بملكية كل شيء . في كل مكان وفي كل زمان ، الذي يحيط سمعه وعلمه بكل شيء ، وبكل ما يقال عن كل شيء كذلك !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (13)

{ وله } عطف على الله . { ما سكن في الليل والنهار } من السكنى وتعديته بفي كما في قوله تعالى : { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } والمعنى ما اشتملا عليه ، أو من السكون أي ما سكن فيهما وتحرك فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر . { وهو السميع } لكل مسموع . { العليم } بكل معلوم فلا يخفى عليه شيء ، ويجوز أن يكون وعيدا للمشركين على أقوالهم وأفعالهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (13)

وقوله تعالى : { وله ما سكن } الآية { وله } عطف على قوله { لله } واللام للملك ، و { ما } بمعنى الذي ، و { سكن } هي من السكنى ونحوه أي ما ثبت وتقرر ، قاله السدي وغيره وقالت فرقة : هو من السكون ، وقال بعضهم : لأن الساكن من الأشياء أكثر من المتحرك إلى غير هذا من القول الذي هو تخليط ، والمقصد في الآية عموم كل شيء وذلك لا يترتب إلا أن يكون { سكن } بمعنى استقر وثبت ، وإلا فالمتحرك من الأشياء المخلوقات أكثر من السواكن ، ألا ترى إلى الفلك والشمس والقمر والنجوم السابحة والملائكة وأنواع الحيوان ، والليل والنهار حاصران للزمان . { وهو السميع العليم } هاتان صفتان تليقان بنمط الآية من قبل أن ما ذكر قبل من الأقوال الردية عن الكفرة العادلين هو سميع لها ، عليم بمواقعها ، مجازٍ عليها ، ففي الضمير وعيد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (13)

جملة معطوفة على { لله } من قوله : { قل لله } [ الأنعام : 12 ] الذي هو في تقدير الجملة ، أي ما في السماوات والأرض لله ، وله ما سكن .

والسكون استقرار الجسم في مكان ، أي حيّز لا ينتقل عنه مدّة ، فهو ضدّ الحركة ، وهو من أسباب الاختفاء ، لأنّ المختفي يسكن ولا ينتشر . والأحسن عندي أن يكون هنا كناية عن الخفاء مع إرادة المعنى الصريح . ووجه كونه كناية أنّ الكلام مسوق للتذكير بعلم الله تعالى وأنّه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ومحاسبكم عليها يوم يجمعكم إلى يوم القيامة ، فهو كقوله تعالى : { الله يعلم ما تحمل كلّ أنثى إلى أن قال ومن هو مستخف بالليل } [ الرعد : 8 10 ] . فالذي سكن بالليل والنهار بعض ما في السماوات والأرض ، فلمّا أعلمهم بأنّه يملك ما في السموات والأرض عطف عليه الإعلام بأنه يملك ما سكن من ذلك لأنّه بحيث يُغفل عن شمول ما في السماوات والأرض إيّاه ، لأنّ المتعارف بين الناس إذا أخبروا عن أشياء بحكم أن يريدوا الأشياء المعروفة المتداولة . فهذا من ذكر الخاصّ بعد العامّ لتقرير عموم الملك لله تعالى بأنّ مِلكه شمل الظاهرات والخفيّات ، ففي هذا استدعاء ليوجّهوا النظر العقلي في الموجودات الخفيّة وما في إخفائها من دلالة على سعة القدرة وتصرّفات الحكمة الإلهية .

و { في } للظرفية الزمانية ، وهي ظرف مستقرّ ، لأنّ فعل السكون لا يتعدّى إلى الزمان تعدية الظرف اللغو كما يتعدّى إلى المكان لو كان بمعنى حلّ واستقرّ وهو ما لا يناسب حمل معنى الآية عليه . والكلام تمهيد لسعة العلم ، لأنّ شأن المالك أن يعلم مملوكاته . وتخصيص الليل بالذكر لأنّ الساكن في ذلك الوقت يزداد خفاء ، فهو كقوله : { ولا حَبَّةٍ في ظلمات الأرض } [ الأنعام : 59 ] . وعطف النهار عليه لقصد زيادة الشمول ، لأنّ الليل لمّا كان مظنّةً الاختفاء فيه قد يظنّ أنّ العالِم يقصد الاطّلاع على الساكنات فيه بأهميّة ولا يقصد إلى الاطّلاع على الساكنات في النهار ، فذكر النهار لتحقيق تمام الإحاطة بالمعلومات .

وتقديم المجرور للدلالة على الحصر ، وهو حصر الساكنات في كونها له لا لغيره ، أي في كون ملكها التامّ له ، كماتقدّم في قوله : { قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله } [ الأنعام : 12 ] .

وقد جاء قوله : { وهو السميع العليم } كالنتيجة للمقدمة ، لأنّ المقصود من الإخبار بأنّ الله يملك الساكنات التمهيد لإثبات عموم علمه ، وإلاّ فإنّ مِلك المتحرّكات المتصرّفات أقوى من ملك الساكنات التي لا تبدي حَراكاً ، فظهر حسن وقع قوله : { وهو السميع العليم } عقب هذا .

والسميع : العالم العظيم بالمسموعات أو بالمحسوسات . والعليم : الشديد العلم بكلّ معلوم .